للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك لأنهم لو أمدوا لم يهزموا ونيل منهم ما نيل منهم» «١» .

والذي نراه أن رأى ابن جرير هو أقرب الآراء إلى الصواب.

وأما الأمر الثاني فهو: إذا كان الله- تعالى- قد أمد المؤمنين بالملائكة في بدر، فهل كانت وظيفتهم القتال مع المؤمنين أو كانت وظيفتهم تثبيت المؤمنين فقط؟ والجواب على ذلك أن كثيرا من العلماء يرى أن الملائكة قد قاتلت مع المؤمنين.

قال القرطبي: تظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت.

ومن ذلك قول أبى أسيد مالك بن ربيعة وكان قد شهد بدرا: لو كنت معكم الآن ببدر ومعى بصرى لأريتكم الشعب- أى الطريق في الجبل- الذي خرجت منه الملائكة، لا أشك ولا أمترى» .

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يوم بدر يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: «أقدم حيزوم» «٢» .

فنظر المسلم إلى المشرك أمامه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه. فجاء المسلم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحدثه بذلك فقال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة «٣» .

ويرى فريق آخر من العلماء أن الملائكة ما قاتلت مع المسلمين يوم بدر، وإنما أمد الله المؤمنين بالملائكة لتثبيت نفوسهم، وتقوية قلوبهم، ولتخذيل المشركين، وإلقاء الرعب في قلوبهم، فقد قال- تعالى- إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ.

ويبدو أن الإمام ابن جرير الطبري كان يميل إلى هذا الرأى فقد قال عند تفسيره لقوله- تعالى- فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا أى: قووا عزائمهم، وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين، وقيل: كان ذلك بمعونتهم إياهم بقتال أعدائهم» .

وقد حكى الآلوسى عن أبى بكر الأصم أنه أنكر قتال الملائكة مع المؤمنين في بدر وأنه قال:

«إن الملك الواحد يكفى في إهلاك سائر الأرض كما فعل جبريل بمدائن قوم لوط وأيضا أى فائدة في إرسال هذا الجمع من الملائكة معه وهو القوى الأمين. وأيضا فإن أكابر الكفار الذين قتلوا في بدر عرف من قتلهم من المسلمين» .


(١) تفسير ابن جرير ج ٤ ص ٧٩.
(٢) حيزوم: اسم فرس من خيل الملائكة.
(٣) تفسير القرطبي بتصرف وتلخيص- ج ٤ ص ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>