للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، وبعد أن بين- سبحانه- المحرمات من النساء، عقب ذلك بإيراد جملة كريمة بين فيها ما يحل نكاحه من النساء فقال- تعالى-: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ.

وما هنا المراد بها عموم النساء.

وكلمة وَراءَ هنا بمعنى غير أو دون كما في قول بعضهم: (وليس وراء الله للمرء مذهب) .

واسم الإشارة ذلِكُمْ يعود إلى ما تقدم من المحرمات.

والجملة الكريمة معطوفة على قوله «حرمت عليكم أمهاتكم» إلخ.

ومن قرأ أُحِلَّ لَكُمْ ... ببناء الفعل للفاعل جعلها معطوفة على كتب المقدر في قوله كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ....

والمعنى: حرمت عليكم هؤلاء المذكورات، وأحل لكم نكاح ما سواهن من النساء.

قال القرطبي: قوله- تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وَأُحِلَّ لَكُمْ ردا على حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ وقرأ الباقون بالفتح ردا على قوله- تعالى- كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. وهذا يقتضى ألا يحرم من النساء إلا من ذكر، وليس كذلك فإن الله- تعالى- قد حرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من لم يذكر في الآية فيضم إليها. قال- تعالى-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

روى مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» . وقد قيل: إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها متلقى من الآية نفسها لأن الله- تعالى- حرم الجمع بين الأختين، والجمع بين المرأة وعمتها- أو خالتها- في معنى الجمع بين الأختين أو لأن الخالة في معنى الوالدة والعمة في معنى الوالد والصحيح الأول: لأن الكتاب والسنة كالشىء الواحد فكأنه قال: «أحللت لكم ما وراء من ذكرنا في الكتاب وما وراء ما أكملت به البيان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم» «١» .

ثم رفع- سبحانه- من شأن المرأة وكرمها بأن جعل إيتاءها المهر شرطا لاستحلال نكاحها إعزازا لها فقال- تعالى- أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ.

وقوله: تَبْتَغُوا من الابتغاء بمعنى الطلب الشديد.

وقوله: مُحْصِنِينَ من الإحصان وهو هنا بمعنى العفة وتحصين النفس ومنعها عن الوقوع فيما يغضب الله- تعالى-.


(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>