للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب أبو حنيفة والثوري إلى تحديد المدة بخمسة عشر يوماً ونقل هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما وقد استدل هذا الفريق بقول ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين" ١.

وقد نقل عن الحافظ ابن حجر تصحيحه لهذا الحديث وتوثيقه لرجاله عند النسائي ٢.

ويناقش هذا الاستدلال بأن هذا التحديد الوارد في الحديث لم يكن مقصوداً وإنما كان ذلك أمراً اتفاقياً - فقد مكث صلى الله عليه وسلم هذه المدة حتى يطمئن إلى استقرار الأحوال في مكة عام الفتح: وكانت المدة التي استلزمها هذا الأمر هو خمسة عشر يوماً كما في هذا الحديث أو زيادة على هذه المدة كما في أحاديث أخر.

وذهب إسحاق بن راهويه إلى تحديد هذه المدة بتسعة عشر يوماً، لحديث ابن عباس: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً فصلى تسعة عشر يوماً ركعتين ركعتين. قال ابن عباس فنحن نصلي فيما بيننا وبين تسع عشرة ركعتين ركعتين فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعاً "قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح" ٣.

وهذا التحديد بتسعة عشر يوماً في الواقع هو اختيار من ابن عباس رضي الله عنه وإلا فما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفيد هذا التحديد لأن الظروف هي التي استدعت إقامته صلى الله عليه وسلم هذه المدة بمكة فكان يقصر الصلاة فيها، مع العلم بأن هذا الحديث هو إحدى الروايات الكثيرة الواردة في هذا الموضوع فإلى جانب رواية الخمس عشرة التي تمسك بها أبو حنيفة، ومن معه، ورواية تسع عشرة التي تمسك بها إسحاق، هناك رواية ثالثة بسبع عشرة عند أبي داود وعن ابن عباس كذلك، ورواية رابعة عن عمران ابن حصين (شهدت معه الفتح فأقام بمكة ثمانية عشر ليلة لا يصلي إلا ركعتين) ٤. وبالجملة: فإن عنصر القصد غير واضح في هذا الحديث والتحديد الوارد فيه، هو أمر اتفاقي، أي أنه حادثة عين وكما قيل: فإن حوادث الأعيان لا يستدل بها على عموم الأحكام.

وذهب مجد الدين بن تيمية صاحب منتقى الأخبار إلى تحديد المدة بعشرة أيام- أو بأحد عشر يوماً- المستفادة من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا غزوة


١ النسائي ج٣ ص١٢١، إحياء التراث.
٢ تحفة الأحوذي ج٣ ص١١٣.
٣ سنن الترمذي مطبوع مع شرحه تحفة الأحوذي ج٣ ص١١٥.
٤ سنن أبي داود ج٤ ص٩٦-٩٧-٩٨-٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>