للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفارة عليه، فيكفيه العلم بوجوب الصيام على الحاضر، وبما أنه شهد بدء الصيام وهو حاضر فيترتب عليه الجزاء الذي رتبه الشارع على من ترك هذا الواجب ١.

المختار: أرى أن مثل هذا الفعل خطأ من فاعله، لأن الأمر في الرخصة منوط - كما قلنا سابقاً- بالسفر، ولا يعطى الشخص صفة السفر حقيقة إلا إذا تحرك فعلاً في طريقه، وكونه عازماً على السفر لا يصح أن يكون مبرراً للفطر لجواز أن يعدل عن السفر بعد الفجر لسبب من الأسباب، كتحقق الغرض الذي كان سيسافر من أجله، أو وجد مانع منه، كانقطاع الطريق، أو عدم وجود ما يسافر عليه، والأسباب المانعة كثيرة، لذلك كان يجب عليه أن يبيت نية الصوم فإذا ما بدأ سفره كان له حينئذ الأخذ بالرخصة.

أما الجزاء على هذا الخطأ: فأرى- والله أعلم- أن الرأي الذي يقول بوجوب إمساك بقية اليوم- إن لم يسافر- ثم قضاء هذا اليوم بعد ذلك هو الأنسب لمثل هذا الفعل لأنه متأول فهو معذور لوجود العزم على السفر عنده.

بدء سريان الرخصة من حيث المكان:

نقل عن الحسن البصري وعطاء، أن من عزم على السفر فإن له أن يفطر في بيته قبل أن يخرج إلى طريقه، وقد حكي هذا عن أنس رضى الله عنه، فقد روى عن محمد بن كعب أنه قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ فقال: سنة. ثم ركب، قال الترمذي هذا حديث حسن (وقد تقدم هذا الحديث قريباً وتقدم ما قيل فيه) .

وقد قال ابن عبد البر- تعليقاً على هذا القول- قول الحسن قول شاذ وليس الفطر لأحد في الحضر، في نظر ولا أثر ٢.

ولكن ابن العربي صحح هذا الرأي ونسبه إلى الإمام أحمد بن حنبل ٣.

إلا أن الثابت في المغني أن المذهب الحنبلي، يرى مع أكثر الفقهاء، ضرورة مجاوزة البيوت حتى يباح الفطر ٤.


١ المجموع ج٦ ص٢١٧، فتح القدير ج٢ ص٣٦٥، شرح الزرقاني على خليل ج٢ ص٢١٢.
٢ المغني ج٣ ص١١٨، وقوله "في نظر" أي اجتهاد أو قياس، "ولا أثر" يعني دليل قولي أو فعلي مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه.
٣ نيل الأوطار ج٤ ص٢٥٦.
٤ المغني ج٣ ص١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>