وإنما مَنعك أن تقَتصر على أحد المفعولين ههنا أنَّك إنّمَا أردْتَ أن تبيّن ما استَقّر عندك من حال المفعول الأوّل، يقيناً كان أو شكّا، وذكرتَ الأوّلَ لتُعلِم الذي تُضيفُ إليه ما استَقّر له عندَكَ مَن هو. فإنّما ذكرتَ ظننتُ ونحوَه لتجعلَ خبر المفعول الأوّل يقينا أو شكّا، ولم ترد أن تَجعل الأوّل فيه الشَّك أو تقيم عليه في اليقين.
ومثل ذلك: علمتُ زيداً الظريفَ، وزعَم عبدُ الله زيدا أخاك.
وإن قلت رأيتُ فأردْتَ رؤيةَ العين، أو وجدتُ فأردْتَ وِجدانَ الضالة، فهو بمنزلة ضربتُ ولكنّك إنما تريد بوجدت عَلِمْتُ، وبرأيت ذلك أيضاً. ألا ترى أنَّه يجوز للأَعمى أن يقول: رأيتُ زيداً الصالحَ.
وقد يكون علمتُ بمنزلة عرفتُ لا تريد إلاَّ عِلْمَ الأوّل. فمن ذلك قوله تعالى:" ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت "، وقال سبحانه:" وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " فهي ههنا بمنزلة عرفتُ كما كانت رأيت على وجهينِ.
وأمَّا ظننتُ ذاك فإنما جاز السكوتُ عليه لأنك قد تقول ظننت، فتقصر، كما تقول ذهبت، ثم تعمله في الظن كما تعمل ذهبت في الذهاب. فذاك ههنا هو الظّنُّ، كأنك قلت: ظننت ذاك الظن. وكذلك خِلتُ وحسِبت.
ويدَلُّك على أنَّه الظنُّ أنّك لو قلتَ خلتُ زيدا وأُرَى زيدا لم يجز.