علم ذاك، فلم يجعلوا اعتلالها إلا لزوم الإسكان، إذ كثرت في كلامهم ولم يغيروا حركة الفاء، وإنما فعلوا ذلك بها حيث لم تكن فيها يفعل وفيما مضى من الفعل، نحو قولك: قد كان ثم ذهب، ولا يكون منها فاعلٌ ولا مصدر ولا اشتقاق، فلما لم تصرف تصرف أخواتها جعلت بمنزلة ما ليس من الفعل نحو ليت، لأنها ضارعتها، ففعل بها ما فعل بما هو بمنزلة الفعل وليس منه.
وأما قولهم: عور يعور، وحول يحول، وصيد يصيد فإنما جاءوا بهن على الأصل لأنه في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل نحو: اعوررت، واحوللت، وابيضضت، واسوددت، فلما كن في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل لكون ما قبله تحركن. فلو لم تكن في هذا المعنى اعتلت، ولكنها بنيت على الأصل إذ كان الأمر على هذا.
ومثل ذلك قولهم: اجتوروا، واعتونوا، حيث كان معناه معنى ما الواو فيه متحركة ولا تعتل فيه، وذلك قولهم: تعاونوا، وتجاوروا.
وأما طاح يطيح وتاه يتيه، فزعم الخليل أنهما فعل يفعل بمنزلة حسب يحسب. وهي من الواو، ويدلك على ذلك، طوحت وتوهت، وهو أطوح منه وأتوه منه، فإنما هي فعل يفعل من الواو كما كانت منه فعل يفعل. ومن فعل يفعل اعتلتا ومن قال طيحت وتيهت فقد جاء بها على باع يبيع مستقيمة. وإنما دعاهم إلى هذا الاعتلال ما ذكرت لك من كثرة هذين