للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يُشَهَّرَ بِهِ عَلَى المَنَابِرِ، وَأَنْ يُتكَلَّمَ مَعَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ (١)! وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلِيهِ: (مَنْ نَصَحَ أَخَاهُ سِرًّا؛ فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ، وَمَنْ نَصَحَهُ عَلَانِيَةً؛ فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ) " (٢).

قُلْتُ: وَتَأَمَّلْ أُسْلُوبَ نَصِيحَةِ الصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ أَبِي شُرَيحٍ -خُوَيلِدِ بْنِ عَمْرٍو- الْخُزَاعِيِّ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ حِينَ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ -وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ- ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أَنْ أُحَدِّثَكَ قَولًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَومِ الْفَتْحِ؛ فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَينَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: " أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ! فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ؛ وَلَمْ يَأذَنْ لَكُمْ! وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَومَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ؛ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ». فَقِيلَ لأَبِي شُرَيحٍ: مَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيحٍ، إنَّ الْحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلا فَارًّا بِدَمٍ، وَلا فَارًّا بِخَرْبَةٍ! " (٣).


(١) وَهُوَ يُجَرِّئُ السُّفَهَاءَ عَلَيهِم، كَمَا أَنَّهُ يُفَرِّقُ كَلِمَتَهُم الَّتِي لَا تَتِمُّ مَصَالِحُ النَّاسِ إِلَّا بِهَا.
(٢) شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاودَ الصَّوتِيِّ (شَرِيط: ٣٧٣).
(٣) صَحِيحُ البُخَارِيِّ (١٠٤)، وَصَحِيحُ مُسْلِمٍ (١٣٥٤).
قُلْتُ: إِلَّا أَنَّهُ لَا يَخْفَى الفَرْقُ بَينَ اسْتِبَاحَةِ الدِّمَاءِ فِيهَا وَبَينَ طَلَبِ أَهْلِ الإِجْرَامِ فِيهَا مِن
اللُّصُوصِ وَالقَتَلَةِ!

<<  <   >  >>