للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لَا يُرِيبُكَ" (١).

- وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الحَدِيثِ «فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَانِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ» (٢).

وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الَّذِي تَرْتَابُ فِيهِ يُشْبِهُ الكَذِبَ فِي نَفْسِكَ؛ فَإِنَّكَ تَجِدُ عِنْدَهُ الضِّيقَ فِي صَدْرِكَ؛ فَدَعْهُ إِلَى أَمْرٍ لَا تَرْتَابُ فِيهِ، وَعَلَامَتُهُ أَنَّهُ كَالصِّدْقِ لَا تَجِدُ فِي نَفْسِكَ حَرَجًا أَو ضِيقًا مِنْهُ، فَارْتِيَابُكَ مِنَ الشَّيءِ مُشْعِرٌ بِكَونِهِ مَظِنَّةً لِلبَاطِلِ فَاحْذَرْهُ، وَطُمَانِينَتُكَ لِلشَيءِ مُشْعِرَةٌ بِحَقِيقَتِهِ فَتَمَسَّكْ بِهِ.

- دِلَالَةُ الحَدِيثِ إِجْمَالًا: اُتْرُكْ مَا يُرِيبُكَ، أَي: مَا يَلْحَقُكَ بِهِ رَيبٌ وَشَكٌّ وَقَلَقٌ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ، أَي: إِلَى شَيءٍ لَا يَلْحَقُكَ بِهِ رَيبٌ وَلَا قَلَقٌ.

- فِي الحَدِيثِ أَيضًا بَيَانٌ لِقَاعِدَةِ البِنَاءِ عَلَى الأَصْلِ وَاليَقِينِ، لِأَنَّ الأَصْلَ وَاليَقِينَ هُوَ الَّذِي لَا رِيبَةَ فِيهِ؛ وَمُا يُشَكُّ فِيهِ فُهُوَ الرِّيبَةُ.

مِثَالُهُ: عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ؛ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «لَا يَنْفَتِلْ -أَو لَا يَنْصَرِفْ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوتًا أَو يَجِدَ رِيحًا» (٣).

- قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَهَا هُنَا أَمْرٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ؛ وَهُوَ أَنَّ التَّدْقِيقَ فِي التَّوَقُّفِ عَنِ الشُّبُهَاتِ إِنَّمَا يَصْلُحُ لِمَنِ اسْتَقَامَتْ أَحْوَالُهُ كُلُّهَا وَتَشَابَهَتْ أَعْمَالُهُ فِي التَّقْوَى وَالوَرَعِ، فَأَمَّا مَنْ يَقَعُ فِي انْتِهَاكِ المُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَتَوَرَّعَ عَنْ شَيءٍ مِنْ دَقَائِقِ الشُّبَهِ! فَإِنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ يُنْكَرُ


(١) البُخَارِيُّ (٣/ ٥٣).
(٢) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٢٥١٨). صَحِيحُ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (٢٥١٨).
(٣) البُخَارِيُّ (١٣٧) بَابُ: لَا يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيقِنَ.

<<  <   >  >>