للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

- إِنَّ قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَا يَكُونُ ابْتِدَاءً؛ وَإِنَّمَا بَعْدَ الإِعْلَامِ وَالإِنْذَارِ.

وَبِالجُمْلَةِ إنْ هُمْ أَبَوا فَإِنَّهُم يُقَاتَلُونَ، إِلَّا إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ فَيَسْقُطُ عَنْهُمُ القِتَالُ بِالجِزَيَةِ. كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيدَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (١).

قَالَ الإِمَامُ الشَّوكَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إِلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ الدَّعْوَةِ لِمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُمُ الدَّعْوَةُ، وَلَا تَجِبُ لِمَنْ قَدْ بَلَغَتْهُم، وَذَهَبَ قَومٌ إِلَى الوُجُوبِ مُطْلَقًا" (٢).

وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " يَجِبُ -أَي: الإِنْذَارُ قَبْلَ الإِغَارَةِ- إِنْ لَمْ تَبْلُغْهُمُ الدَّعْوَةُ، وَلَا يَجِبُ إِنْ بَلَغَتْهُم؛ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَالَ نَافِعٌ مَولَى ابْنِ عُمَرَ وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ وَالثَّورِيُّ وَاللَّيثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَورٍ وَابْنُ


(١) وَلَفْظُهُ عَنْ بُرَيدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ أَو سَرِيَّةٍ أَوصَاهُ بِتَقْوَى اللهِ؛ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيرًا، فَقَالَ: "اُغْزُوَا بِسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوَا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ -أَو خِلَالٍ-، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ؛ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ المُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيهِمْ مَا عَلَى المُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا؛ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيهِمْ حُكْمُ اللهِ تَعَالَى وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الغَنِيمَةِ وَالفَيءِ شَيءٌ؛ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوا؛ فَاسْأَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ؛ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكَفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوا؛ فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ؛ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ؛ فَإِنَّكُمْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ؛ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ؛ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللهِ أَمْ لَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١٧٣١).
(٢) الدَّرَارِيُّ المَضِيَّةُ (٢/ ٤٤٥).

<<  <   >  >>