فإن كون القادر قادرا في نفسه هو سابق لكونه يجعل غيره قادرا فمن ليس بقادر في نفسه يمتنع أن يجعل غيره قادرا فالامتناع يعلم من جهة بطلان الدور القبلي ومن جهة أن من ليس بقادر يمتنع أن يجعل غيره قادرا.
وهذا من أحسن ما يستدل به على التوحيد فإنه يعلم به أن الرب لا بد أن يكون قادرا بنفسه لا تكون قدرته مستفادة من غيره وحينئذ فإذا قدر قادران كان اجتماعهما على فعل المفعول الواحد ممتنعا لذاته بصريح العقل واتفاق العقلاء فإن فعل أحدهما له يوجب استقلاله فيمتنع أن يكون له شريك فضلا عن أن يكون هناك فاعل آخر مستقل.
ولهذا كان من المعلوم عند العقلاء بصريح العقل أنه يمتنع اجتماع مؤثرين تامين على أثر واحد وإن شئت قلت يمتنع اجتماع علتين تامتين على معلول واحد.
وإذا كان كذلك فإذا قدر ربان امتنع استقلال كل منهما بفعل شيء واحد بل إذا فعل أحدهما شيئا كان الآخر فاعلا لشيء آخر وهذا تحقيق قوله تعالى:{إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ}(سورة المؤمنون ٩١) .
وأيضا فإذا كانا قادرين فإن أمكن أحدهما أن يفعل بدون الآخر أمكن أن يريد ضد مراد الآخر فيلزم التمانع فإنه إن وجد مرادهما لزم اجتماع الضدين وإن لم يوجد مراد واحد منهما لزم عجزهما جميعا ولزم خلو المحل من أحد المتقابلين اللذين لا يخلو الجسم عنهما مثل أن يريد