للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإمام مالك لا يفعل ذلك في جميع الحالات -كما نجد هذا عند الأحناف، ففي بعضها يبقي على السنة بجانب القرآن الكريم؛ تخصص عمومه أو تقيد إطلاقه، وذلك عندما يكون هناك عاضد آخر كعمل أهل المدينة أو الإجماع، فقد أخذ بحديث النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع، واعتبره مخصصًا لظاهر القرآن؛ لأنه -مع ثبوته- من عمل أهل المدينة، ولهذا قال بعد روايته في الموطأ من طريقين، عن أبي ثعلبة الخشني، وعن أبي هريرة قال: "وهو الأمر عندنا"١.

٦٢٠- وأخذ بحديث حرمة الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، واعتبره مخصصًا لعموم الآية الكريمة: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} لأنه مع ثبوته يؤيده الإجماع٢.

وبعد أن تعرفنا على اتجاه من اتجاهات نقد متن الحديث من أجل توثيقه أو عدمه بعيدًا عن الإسناد -وضح لنا بما لا يدع مجالًا للشك أن علماءنا لم يغفلوا هذه الناحية، وأن هذه الأحاديث القليلة التي ردوها لدليل على الكثرة الأخرى التي وثقوها وأخذوا بها، ولم يتكلموا عن مخالفتها لكتاب الله عز وجل؛ لأنها لم تكن كذلك بعد أن عرضوها بمقياسهم هذا، وهو عرض الآحاد على كتاب الله عز وجل.

٦٢١- ويحسن بنا أن نتعرف على وجهة النظر المقابلة، تلك التي لا ترضى أن تترك حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذا صحت نسبته إليه عليه السلام عن طريق اتصاله والثقة برواته من حيث عدالتهم وضبطهم وتوافر الشروط التيينبغي أن تتوافر في الراوي الذي يقبل خبره ويوثق به.

الإمام الشافعي وهذا المقياس:

٦٢٢- وقد رفض الإمام الشافعي هذا المقياس كعامل أساسي في توثيق السنة، وفي رفض بعض الأحاديث بناء عليه، ووصف العمل به بالجهل؛


١ الموطأ ص ٣٠٦ - ٣٠٧ "طبعة الشعب".
٢ مالك: حياته وعصره ص ٢٨٨ - ٢٨٩.

<<  <   >  >>