للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٦٦- وقد عرض العلماء المتأخرون حجة هؤلاء في رفضهم المراسيل وتمسكهم بالأسانيد المتصلة فقط، يقول ابن حزم: إن الذي يرسل إنما هو بمثابة من يحدث عن مجهول، و"من جهلنا حالة فرض علينا التوقف في خبره، وعن قبول شهادته حتى نعلم حاله"، وسواء أقال الراوي العدل: "حدثنا الثقة" أم لم يقل لا يجب أن يلتفت إلى ذلك، إذ قد يكون عنده ثقة؛ لأنه لا يعلم من جرحته ما يعلم غيره ... والجرح أولى من التعديل، فقد وثق سفيان الثوري جابرًا الجعفي، وجابر من الكذب والفسق والشر والخروج عن الإسلام بحيث قد عرف، ولكنه خفي أمره على سفيان، فقال بما ظهر منه عنده"١.

٥٦٧- ويقول النووي قريبًا من هذا: "ودليلنا في رد العمل به أنه إذا كانت رواية المجهول المسمى لا تقبل؛ لجهالة حاله - فرواية المرسل أولى؛ لأن المروي عنه محذوف مجهول العين والحال٢". ويفصل الإمام ابن حجر في شرح النخبة فيقول: "وإنما ذكر -يعني المرسل- في قسم المردود للجهل بحال المحذوف"، لأنه يحتمل أن يكون صحابيًّا، ويحتمل أن يكون تابعيًّا، وإذا كان تابعيًّا فإنه يحتمل أن يكون ضعيفًا، وإذا فرض أنه ثقة فإنه من المحتمل أن يكون قد حمل عن تابعي آخر ضعيف وبالاستقراء وجد أن هناك سبعة من التابعين روى بعضهم عن بعض، فليس كل مرسل روى فيه التابعي عن الصحابي، حتى نقول ونتأكد أنه أرسل عن ثقة ولم يرسل عن ضعيف٣.

٥٦٨- ومن حيث الواقع العملي فهناك في زمن الصحابة والتابعين من يحدث وهو غير ثقة، فربما يروي عنه ولا يسميه، فتكون النتيجة هي روايتنا عن الضعاف دون أن ندري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال أبي: إني لأسمع الحديث استحسنه، فمنا يمنعني من ذكره إلا كراهية أن


١ الإحكام ٢/ ١٣٥.
٢ قواعد التحديث ص ١٣٣.
٣ شرح نخبة الفكر ص١٧.

<<  <   >  >>