للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٥٦- ثم بين الشافعي أنه إذا كانت توجد بعض الدلائل التي تجعلنا نقبل المرسل فليس معناه أنه مع المتصل المسند في درجة واحدة، ولكن الأخير أقوى منه وذلك لأن احتمال كون المرسل قد أرسل عمن يرغب في الرواية عنه لضعفه قائم، وكذلك إن وافقه مرسل، لاحتمال أن يكون مخرجهما واحد، من حيث لو سمى لم يقبل، وأيضًا إذا كان قول بعض الصحابة يقوي المرسل، فإنه من المحتمل أن يكون المرسل قد غلط بإرساله هذا الحديث حين سمع قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوافقه، ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من الفقهاء١.

٥٥٧- وعلى هذا فاحتمال الخطأ والغلط قائم في جميع الحالات الأمر الذي لا يجعل المرسل بحال يرقى إلى مستوى الحديث المتصل الصحيح الذي انكشف فيه جميع رواته وقويت صلته برسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن أجل هذا لم نجد سنة ثابتة من جهة الاتصال خالفها الناس كلهم؛ ولكننا وجدنا ذلك في بعض المرسل كما في حديث محمد بن المنكدر الذي سنذكره قريبًا -إن شاء الله، فلم يقل به أحد من أهل الفقه كلهم٢.

٥٥٨- أما القسم الثاني، وهو مرسل "من بعد كبار التابعين"، من صغارهم وتابعيهم، وتابعي التابعين -فيقول الشافعي، رضي الله عنه: إنه لا يعلم واحدًا منهم يقبل مرسله، لعدة أمور:

١- أنهم أشد تجوزًا فيمن يروون عنه، فلا يتحرون أن يروون عن الثقات فقط، وإنما يأخذون منهم ومن غيرهم.

٢- وهذا مترتب على الأول، وهو أنه قد وجدت الدلائل فعلًا على ضعف ما أرسلوه.

٣- استطالة السند وكثرة الإحالة في الأخبار وإذا كثرت الإحالة فيها كانت أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه، فتتسع دائرة الاحتمال السابق، وهو الأخذ عن الضعفاء.


١ الرسالة ص٤٦٤، ٤٦٥.
٢ المصدر السابق ص ٤٦٧، ٤٧١.

<<  <   >  >>