لاختلاط الكلمتين وجعلهما كالكلمة الواحدة كما سكنوا الهاء في لهو وفهو، وحركت الياء لسكون ما قبلها، والرابعة كيئن- بياء ساكنة بعدها همزة مكسورة والخامسة- كئن- بكاف مفتوحة وهمزة مكسورة ونون، ووزنه كع، وورد ذلك في قوله:
«كئن» من صديق خلته صادق الإخا ... أبان اختباري إنه لمداهن
ووجهه أنه حذفت إحدى الياءين ثم حذفت الأخرى للتنوين أو حذفتا دفعة واحدة، واحتمل ذلك لما امتزج الحرفان والكاف لا متعلق لها لخروجها عن معناها، ومن قال به كالحوفي فقد تعسف، وموضعهما رفع بالابتداء، وقوله تعالى: مِنْ نَبِيٍّ تمييز له كتمييزكم، وقد تقدم آنفا الكلام في ذلك، ولعل المراد من النبي هنا الرسول وبه صرح الطبرسي قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ أي جموع كثيرة، وهو التفسير المشهور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، واستشهد له- كما رواه ابن الأنباري حين سأله نافع بن الأزرق- بقول حسان:
وإذا معشر تجافوا عن القص ... د «أملنا عليهم ربّا»
وعليه فهو منسوب إلى ربة بكسر الراء وكون الضم فيها لغة غير متحقق- وهي الجماعة- للمبالغة وخصها الضحاك بألف، وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنهم العلماء الفقهاء، وأخرجه ابن جبير عن ابن عباس أيضا- وعليه فهو منسوب إلى الرب- كرباني على خلاف القياس كقراءة الضم، والموافق له الفتح- وبه قرئ- وقال ابن زيد: الرّبيون هم الأتباع والربانيون الولاة، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب «قتل» - بالبناء للمفعول، وفي خبر المبتدأ أوجه: أحدها أنه الفعل مع الضمير المستتر فيه الراجع إلى كَأَيِّنْ أو إلى نَبِيٍّ وحينئذ- فمعه ربيون- جملة حالية من الضمير، أو من نَبِيٍّ لتخصيصه معنى، أو مَعَهُ حال ورِبِّيُّونَ فاعله، وثانيها أنه جملة مَعَهُ رِبِّيُّونَ فحينئذ تكون جملة الفعل- مع- مرفوعه صفة لنبي، وثالثها أنه محذوف وتقديره مضى ونحوه، وحينئذ يجوز أن يكون الفعل صفة لنبي، ومَعَهُ رِبِّيُّونَ حالا على ما تقدم، ويجوز أن يكون الفعل مسندا لربيون فلا ضمير فيه والجملة صفة لنبي، ورابعها أن يكون رِبِّيُّونَ مرفوعا بالفعل فلا ضمير، والجملة هي الخبر.
وقرئ- «قتل» - بالتشديد قال ابن جني: وحينئذ فلا ضمير في الفعل لما في التضعيف من الدلالة على التكثير وهو ينافي إسناده إلى الواحد، وأجيب بأنه لا يمتنع أن يكون فيه ضمير الأول لأنه في معنى الجماعة.
واعترض بأنه خلاف الظاهر، ومن هنا قيل: إن هذه القراءة تؤيد إسناد- قتل- إلى- الربيين- ويؤيدها أيضا ما أخرجه ابن المنذر عن ابن جبير أنه كان يقول: ما سمعنا قط أن نبيا قتل في القتال، وقول الحسن وجماعة: لم يقتل نبي في الحرب قط ثم إن من ادعى إسناد القتل إلى النبي وأنه في الحرب أيضا على ما يشعر به المقام حمل النصرة الموعود بها في قوله تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا [غافر: ٥١] على النصرة بإعلاء الكلمة ونحوه لا على الأعداء مطلقا لئلا تتنافى الآيتان، وهذا أحد أجوبة في هذا المقام تقدمت الإشارة إليها فتذكر، والتنوين في نَبِيٍّ للتعظيم.
وزعم الأجهوري أنه للتكثير فَما وَهَنُوا عطف على قاتلوا على أن المراد عدم الوهن المتوقع من القتال والتلبس بالشيء بعد ورود ما يستدعي خلافه وإن كان استمرارا عليه بحسب الظاهر لكنه بحسب الحقيقة كما قال مولانا شيخ الإسلام: صنع جديد، ومن هنا صح دخول الفاء المؤذنة بترتب ما بعدها على ما قبلها، ومن ذلك قولهم:
وعظته فلم يتعظ وزجرته فلم ينزجر، وأصل الوهن الضعف، وفسره قتادة وابن أبي مالك هنا بالعجز، والزجاج بالجبن أي فما عجزوا أو فما جبنوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ في أثناء القتال وهذا علة للمنفي لا للنفي، نعم يفهم