لمن حصل على طبق ما وقع فيها في بعض الأوقات وهو يكفي للصدق وإن زاد العدد أو نقص في وقت آخر وَاخْتَلَفُوا في التوحيد والتنزيه وأحوال المعاد، قيل: وهذا معنى تفرقوا وكرره للتأكيد، وقيل: التفرق بالعداوة والاختلاف بالديانة.
مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ أي الآيات والحجج المبينة للحق الموجبة لاتحاد الكلمة، وقال الحسن:
التوراة، وقال قتادة وأبو أمامة: القرآن وَأُولئِكَ إشارة إلى المذكورين باعتبار اتصافهم بما في حيز الصلة لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ لا يكتنه على تفرقهم واختلافهم المذكور، وفي ذلك وعيد لهم وتهديد للمتشبهين بهم لأن التشبيه بالمغضوب عليه يستدعي الغضب، ثم إن هذا الاختلاف المذموم محمول كما قيل على الاختلاف في الأصول دون الفروع ويؤخذ هذا التخصيص من التشبيه، وقيل: إنه شامل للأصول والفروع لما نرى من اختلاف أهل السنة فيها- كالماتريدي والأشعري- فالمراد حينئذ بالنهي عن الاختلاف النهي عن الاختلاف فيما ورد فيه نص من الشارع أو أجمع عليه وليس بالبعيد.
واستدل على عدم المنع من الاختلاف في الفروع
بقوله عليه الصلاة والسلام: اختلاف أمتي رحمة.
وبقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: مهما أوتيتم من كتاب الله تعالى فالعمل به لا عذر لأحد في تركه فإن لم يكن في كتاب الله تعالى فسنة مني ماضية فإن لم يكن سنة مني فما قال أصحابي إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيما أخذتم به اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة،
وأراد بهم صلى الله تعالى عليه وسلم خواصهم البالغين رتبة الاجتهاد والمقصود بالخطاب من دونهم فلا إشكال فيه خلافا لمن وهم، والروايات عن السلف في هذا المعنى كثيرة.
فقد أخرج البيهقي في المدخل عن القاسم بن محمد قال: اختلاف أصحاب محمد رحمة لعباد الله تعالى، وأخرجه ابن سعد في طبقاته بلفظ كان اختلاف أصحاب محمد رحمة للناس، وفي المدخل عن عمر بن عبد العزيز قال: ما سرني لو أن أصحاب محمد لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة، واعترض الإمام السبكي بأن اختلاف أمتي رحمة ليس معروفا عند المحدثين ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع ولا أظن له أصلا إلا أن يكون من كلام الناس بأن يكون أحد قال اختلاف الأمة رحمة فأخذه بعضهم فظنه حديثا فجعله من كلام النبوة وما زلت أعتقد أن هذا الحديث لا أصل له. واستدل على بطلانه بالآيات والأحاديث الصحيحة الناطقة بأن الرحمة تقتضي عدم الاختلاف والآيات أكثر من أن تحصى، ومن الأحاديث
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «إنما هلكت بنو إسرائيل بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم»
وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»
وهو وإن كان واردا في تسوية الصفوف إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم قال: والذي نقطع به أن الاتفاق خير من الاختلاف وأن الاختلاف على ثلاثة أقسام: أحدها في الأصول ولا شك أنه ضلال وسبب كل فساد وهو المشار إليه في القرآن، والثاني في الآراء والحروب ويشير إليه
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى لما بعثهما إلى اليمن: «تطاوعا ولا تختلفا»
ولا شك أيضا أنه حرام لما فيه من تضييع المصالح الدينية والدنيوية، والثالث في الفروع كالاختلاف في الحلال والحرام ونحوهما والذي نقطع به أن الاتفاق خير منه أيضا لكن هل هو ضلال كالقسمين الأولين أم لا؟ فيه خلاف، فكلام ابن حزم ومن سلك مسلكه ممن يمنع التقليد يقتضي الأول، وأما نحن فإنا نجوز التقليد للجاهل والأخذ عند الحاجة بالرخصة من أقوال بعض العلماء من غير تتبع الرخص وهو يقتضي الثاني، ومن هذا الوجه قد يصح أن يقال: الاختلاف رحمة فإن الرخص منها بلا شبهة وهذا لا ينافي قطعا القطع بأن الاتفاق خير من الاختلاف فلا تنافي بين الكلامين لأن جهة الخيرية تختلف وجهة الرحمة تختلف، فالخيرية في العلم