للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تبقى الياء ساكنة كما في قوله:

يا باري القوس بريا لست تحسنها ... لا تفسدنها وأعط القوس باريها

وعلى ذلك قراءة بعضهم «صوافي» بإثبات الياء ساكنة بناء على أنه كما في القراءة المشهورة حال من ضمير عَلَيْها ولو جعل كما قيل بدلا من الضمير لم يحتج إلى التخريج على لغة شاذة فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها أي سقطت على الأرض وهو كناية عن الموت. وظاهر ذلك مع ما تقدم من الآثار يقتضي أنها تذبح وهي قائمة، وأيد به كون البدن من الإبل دون البقر لأنه لم تجر عادة بذبحها قائمة وإنما تذبح مضطجعة وقلما شوهد نحر الإبل وهي مضطجعة فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ أي الراضي بما عنده وبما يعطى من غير مسألة ولا تعرض لها، وعليه حمل قول لبيد:

فمنهم سعيد آخذ بنصيبه ... ومنهم شقيّ بالمعيشة قانع

وَالْمُعْتَرَّ أي المعترض للسؤال من اعتره إذا تعرض له، وتفسيرهما بذلك مروي عن ابن عباس وجماعة وقال محمد بن كعب ومجاهد وإبراهيم والحسن والكلبي: الْقانِعَ السائل كما في قول عدي بن زيد:

وما خنت ذا عهد وأيت بعهده ... ولم أحرم المضطر إذ جاء قانعا

وَالْمُعْتَرَّ المعترض من غير سؤال، فالقانع قيل على الأول من قنع يقنع كتعب يتعب قنعا إذا رضي بما عنده من غير سؤال، وعلى الثاني من قنع يقنع كسأل يسأل لفظا ومعنى قنوعا. وعلى ذلك جاء قول الشاعر:

العبد حر إن قنع ... والحر عبد إن قنع

فاقنع ولا تطمع فما ... شيء يشين سوى الطمع

فلا يكون الْقانِعَ على هذا من الأضداد لاختلاف الفعلين، ونص على ذلك الخفاجي حاكما بتوهم من يقول بخلافه. وفي الصحاح نقل القول بأنه من الأضداد عن بعض أهل العلم ولم يتعقبه بشيء، ونقل عنه أيضا أنه يجوز أن يكون السائل سمي قانعا لأنه يرضى بما يعطى قل أو كثر ويقبله ولا يرد فيكون معنى الكلمتين راجعا إلى الرضى، وإلى كون قنع بالكسر بمعنى رضي وقنع بالفتح بمعنى سأل ذهب الراغب وجعل مصدر الأول قناعة وقنعانا ومصدر الثاني قنوعا. ونقل عن بعضهم أن أصل ذلك من القناع وهو ما يغطى به الرأس فقنع بالكسر لبس القناع ساترا لفقره كقولهم: خفي إذا لبس الخفاء وقنع إذا رفع قناعه كاشفا لفقره بالسؤال نحو خفي إذا رفع الخفاء، وأيد كون القانع بمعنى الراضي بقراءة أبي رجاء «القنع» بوزن الحذر بناء على أنه لم يرد بمعنى السائل بخلاف القانع فإنه ورد بالمعنيين والأصل توافق القراءات، وعن مجاهد «القانع» الجار وإن كان غنيا. وأخرج ابن أبي شيبة عنه وعن ابن جبير أن القانع أهل مكة والمعتر سائر الناس، وقيل: المعتر الصديق الزائر، والذي أختاره من هذه الأقوال أولها.

وقرأ الحسن «والمعتري» اسم فاعل من اعترى وهو واعتر بمعنى. وقرأ عمرو وإسماعيل كما نقل ابن خالويه «المعتر» بكسر الراء بدون ياء، وروي ذلك المقري عن ابن عباس، وجاء ذلك أيضا عن أبي رجاء وحذفت الياء تخفيفا منه واستغناء بالكسرة عنها. واستدل بالآية على أن الهدي يقسم أثلاثا ثلث لصاحبه وثلث للقانع وثلث للمعتر وروي ذلك عن ابن مسعود، وقال محمد بن جعفر رضي الله تعالى عنهما بقسمته أثلاثا أيضا إلا أنه قال: أطعم القانع والمعتر ثلثا والبائس الفقير ثلثا وأهلي ثلثا وفي القلب من صحته شيء.

وقال ابن المسيب: ليس لصاحب الهدي منه إلا الربع وكأنه عد القانع والمعتر والبائس الفقير ثلاثة وهو كما

<<  <  ج: ص:  >  >>