«وضحك» الأرانب فوق الصفا ... كمثل دم الجوف يوم اللقا
وقوله:
وعهدي بسلمى «ضاحكا» في لبابة ... ولم يعد حقا ثديها أن تحلما
وقوله:
إني لآتي العرس عند ظهورها ... وأهجرها يوما إذا تك «ضاحكا»
والمثبت مقدم على النافي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، نعم قال ابن المنير: إنه يبعد الحمل على ذلك هنا قولها: أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ إلخ فإنه لو كان الحيض قبل البشارة لما تعجبت إذ لا عجب في حمل من تحيض، والحيض في العادة معيار على إمكان الحمل، ودفع بأن الحيض في غير أوانه مؤكد للتعجب أيضا، ولأنه يجوز أن تظن أن دمها ليس بحيض بل استحاضة فلذا تعجبت، وقرأ محمد بن زياد الأعرابي من قراء مكة «فضحكت» بفتح الحاء، وزعم المهدوي أنه غير معروف وأن «ضحك» بالكسر هو المعروف، ومصدره ضحكا وضحكا بسكون الحاء وفتح الضاد وكسرها، وضحكا وضحكا بكسر الحاء مع فتح الضاد وكسرها، والظاهر أن هذه مصادر ضحك بأي معنى كان ويفهم من مجمع البيان أن مصدر- ضحك- بمعنى حاضت إنما هو ضحكا بفتح الضاد وسكون الحاء، ولم نر هذا التخصيص في غيره، وعن بعضهم أن فتح الحاء في الماضي مخصوص بضحك بمعنى حاض، وعليه فالقراءة المذكورة تؤيد تفسير ضحكت على قراءة الجمهور بحاضت.
فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ قيل: أي عقبنا سرورها بسرور أتم منه على ألسنة رسلنا وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ بالنصب، وهي قراءة ابن عامر وحمزة وحفص وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما على أنه منصوب بتقدير فعل يفسره ما يدل عليه الكلام أي ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب، ورجع ذلك أبو علي، واعترض البعض بأنه حينئذ لا يكون ما ذكر داخلا تحت البشارة، ودفع بأن ذكر هذه الهبة قبل وجود الموهوب بشارة معنى، وقيل: هو معطوف على محل بِإِسْحاقَ لأنه في محل نصب، واعترض أنه إنما يتأتى العطف على المحل إذا جاز ظهور المحل في فصيح الكلام كقوله:
ولسنا بالجبال ولا الحديدا وبشر لا تسقط باؤه من المبشر به في الفصيح، وزعم بعضهم أن العطف على بِإِسْحاقَ على توهم نصبه لأنه في معنى وهبنا لها إسحاق فيكون كقوله:
«مشائيم» ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا يبين غرابها
إلا أنه توهم في هذا وجود الباء في المعطوف عليه على عكس ما في الآية الكريمة، ويقال لمثل هذا: عطف التوهم، ولا يخفى ما في هذه التسمية هنا من البشاعة على أن هذا العطف شاذ لا ينبغي التخريج عليه مع وجود غيره، وبهذا اعترض على الزمخشري من حمل كلامه حيث قال: وقرىء بالنصب كأنه قيل: وهبنا لها إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة قوله: مشائيم. البيت عليه لما أنه الظاهر منه، وقال في الكشف أراد أنه عطف معنوي ومثله شائع مستفيض في العطف والإضمار على شريطة التفسير وغيرهما، وإنما شبهه بقوله: ولا ناعب تنبيها على أن ذلك مع بعده لما كان واقعا فهذا أجدر، والغرض من التشبيه أن غير الموجود في اللفظ جعل بمنزلته وأعمل، ولا يخفى أنه خلاف المتبادر من عبارته، وقيل: إنه معطوف على لفظ إِسْحاقَ وفتحته للجر لأنه غير مصروف للعلمية