للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحرص الصعاليك العداءون على تسجيل ظاهرة طريفة في حديثهم عن العدو، وهي حركة ثيابهم عند عدوهم، وما يفعلونه أو تفعله الرياح بها، وهي ظاهرة تستمد طرافتها من صدقها وبساطتها وواقعيتها، ومن أطرف الأشياء في هذا الصدد أنهم أكثر ما يذكرون ثيابهم يذكرون أنها بالية ممزقة.

يصف صخر الغي صاحب له بأنه يعدو فيرفع باطن ركبتيه ثوبه الخلق:

ترى عدوه صبح إقوائه ... إذا رفع المأبضان الحشيفا

كعدو أقب رباع ترى ... بفائله ونساه نسوفا١

أما أبو خراش فثوبه الخلق البالي يهتز في أثناء عدوه كأنه ينتفض من حمى تلازمه:

فعديت شيئا والدريس كأنما ... يزعزعه ورد من الموم مردم٢

وهو أحيانا يضيق بثيابه لأنها تعوقه عن سرعة العدو فيطرحها عنه:

ورفعت ساقا لا يُخاف عثارها ... وطرحت عني بالعراء ثيابي٣

وفي قصيدة أخرى يصف جماعة من العدائين وقد ألقوا ثيابهم عنهم من شدة عدوهم:

وعادية تُلقي الثياب وزعتها ... كرجل الجراد ينتحي شرف الحزم٤

ويتحدث تأبط شرا عن مطاردة حاجز الأزدي وأصحابه له، ويصفهم بأنهم قد ألقوا عن أجسادهم ثيابهم البالية، وشمروا عن سيقانهم ليسهل عليهم إدراكه:

فتعتعت حضني حاجز وصحابه ... وقد نبذوا خلقانهم وتشنعوا٥


١ شرح أشعار الهذليين ١/ ٤٨. وانظر: ص٢٢٠ من هذا البحث.
٢ ديوان الهذليين ٢/ ١٤٤. والأغاني ٢١/ ٥٦. وحماسة البحتري / ٦٣ - الدريس: الثوب الخلق. الموم: الحمى. المردم: الملازم.
٣ ديوان الهذليين ٢/ ١٦٨، وتُروى للأعلم ولتأبط شرا، وهذا الاختلاف لا يضيرنا في شيء فهم جميعا صعاليك.
٤ المصدر السابق/ ١٣٢ - الرجل بالكسر: القطعة العظيمة من الجراد. الحزم: المكان المرتفع كالحزن.
٥ الأعاني ١٨/ ٢١٨، وفيه "تتعتعت" وواضح أنه تحريف - تعتعه: حركه بعنف. تشنعوا: تهيئوا للقتال.

<<  <   >  >>