للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسرى في الليل البهيم المظلم، وشجاعة فائقة، ورأي صائب، وكرم واسع، وفصل في الأمور، وحب للحركة والغزو، وبغض للدعة والإقامة والاستقرار:

لكنما عولى إن كنت ذا عول ... على بصير بكسب الحمد سباق

سباق غايات مجد في عشيرته ... مرجع الصوت هدا بين أرفاق

عاري الظنابيب ممتد نواشره ... مدلاج أدهم واهي الماء غساق

حمال أولوية، شهاد أندية ... قوال محكمة، جواب آفاق

فذاك همي وغزوي أستغيث به ... إذا استغثت بضافي الرأس نغاق١

ومن هنا كثر رثاؤه لأصحابه، فهو وفي لهم ولذكراهم، لا تنسيه إياهم شواغل الحياة. وهي يرثي صديقه الأعز، وتلميذه النابغة، الشنفرى، رثاء حارا تتجلى فيه تلك اللوعة التي أصابته بعده، وتلك الحسرة التي استشعرها لفقده، وتلك الفجيعة التي لا يجد لها دفعا، وهو يأسف لأنه لم يكن معه في ساعة الشدة حين قتل، إذن لوقف إلى جانبه أخا ناصرا معينا:

فلو نبأتني الطير أو كنت شاهدا ... لآساك في البلوى أخ لك ناصر٢

وهو لا ينسى في غمرة هذا الأسى أن يسجل تعاونهما معا في ساعات الشدة، وأوقات الكفاح:

إذا راع روع الموت راع، وإن حمى ... حمى معه حر كريم مصابر٣


١ المفضليات/ ١٣-١٥. العول: الإعوال: مرجع الصوت: يريد أنه يصبح بأصحابه آمرا وناهيا. الهد: الصوت الغليظ. الظنابيب: جمع ظنبوب وهو حرف عظم الساق، ويريد بقوله "عاري الظنابيب" أنه خفيف اللحم، والعرب تمدح الهزل وتذم السمن. النواشر: عروق ظاهر الذراع، ويريد بقوله "ممتد نواشره" أنه طويل الذراعين دلالة على تمام خلقه. الأدهم هنا: الليل، والغساق: الشديد الظلمة. المحكمة: الكلمة الفاصلة القاطعة للأمور. ضافي الرأس: رجل كثير شعر الرأس لكثرة اشتغاله بالغزو فهو لا يتعاهد شعره. النفاق: الذي يصبح في إثر الطرائد.
٢ ديوان الشنفرى المطبوع/ ٢٩.
٣ المصدر السابق/ ٢٩.

<<  <   >  >>