للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنكم لن تبلغوا كل همتي ... ولا أربتي حتى تروا منبت الأثل١

وهو يصرح بأنه سيغزو بهم -لا معهم- ليحقق أهدافه، أو يرضي نفسه:

فإني لمستاف البلاد بسربة ... فمبلغ نفسي عذرها أو مطوف٢

وهو قائد بارع، يجمع جنوده، ويخرج بهم فرسانا ورجالة ليغيروا، حتى إذا ما انتهت الغارة، وأخذوا طريق العودة، ونزلوا عند بعض المياه لينحروا مما نهبوه، حتى ينالوا حظهم من الطعام والراحة، تحول القائد البارع إلى قائد حذر، يبعث ربيئا منهم فوق شرف عال، ليراقب لهم الطريق حتى لا يفجأهم عدو وهم غافلون:

لعل انطلاقي في البلاد ورحلتي ... وشدي حيازيم المطية بالرحل

سيدفعني يوما إلى رب هجمة ... يدافع عنها بالعقوق وبالبخل

قليل تواليها وطالب وترها ... إذا صحت فيها بالفوارس والرجل

إذا ما هبطنا منهلا في مخوفة ... بعثنا ربيئا في المرابئ كالجذل

يقلب في الأرض الفضاء بطرفه ... وهن مناخات، ومرجلنا يغلي٣

ولعل أطرف ما في حديث عروة عن أصحابه حديثه عن مضايقاتهم له، وشكواه من بعض تصرفاتهم التي يضيق صدره بها، وبخاصة تنكرهم له بعد أن يخصبوا ويستغنوا ويصبحوا كالأغنياء المتمولين، ولكنه -مع هذا كله- يغفر لهم؛ لأنهم عياله وأبناؤه، وهو أبوهم الذي يتقبل منهم ما يرتكبونه في حقه، ثم لأنه يقوم منهم مقام السيد الذي تفرض عليه سيادته أن يتحمل ما يصدر عنهم، فيعفو عن جاهلهم، ويغفر لمسيئهم، ثم لأنه أخيرا يقف


١ ديوانه/ ١٠٦، وشرح التبريزي على حماسة أبي تمام ٢/ ٨، ٩. مع اختلاف لفظي يسير.
٢ ديوانه/ ٩٣.
٣ ديوانه/ ١٠٨-١١٢. الهجمة: الجماعة من الإبل، أولها أربعون إلى ما زادت، أو ما بين السبعين إلى المائة، أو إلى دوينها.

<<  <   >  >>