وأرسل إلى المصرين والكوفيّين، ونادى: الصّلاة جامِعَة -وهم عنده في أصل المنبر- فأقبل أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم بالأمر، وقام الرجلان، فَقَالَ النّاس: اقتل هؤلاء فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:"من دعا إلى نفسه أو إلى أحدٍ، وعلى النَّاس إمامٌ فعليه لعنةُ الله فاقتلوه"١.
وَقَالَ عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصِّرُهم بجهدنا، إنّ هؤلاء قالوا: أتمّ الصلاة في السّفر، وكانت لَا تُتَمّ، ألا وإني قدمت بلدًا فيه أهلي فأتتمت لهذا.
قالوا: وحميت الحِمَى، وإنّي واللَّهِ مَا حميت إلا حُمِيَ قبلي، وإني قد وُلِّيتُ وإنّي لَأكْثَرُ العرب بعيرًا وشاءً، فما لي اليوم غيرُ بعيرَيْن لحَجَّتي، أكذلك؟ قالوا: نعم.
قَالَ: وقالوا: كان القرآن كُتُبًا فتركها إلّا واحدًا، ألا وإنّ القرآنَ واحدٌ جاء من عند واحدٍ، وإنّما أنا في ذلك تابعٌ هؤلاء، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إنّي رددت الحَكَمَ وقد سيّره رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الطّائف ثمّ ردّه، فرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيّره وهو ردَّه، أفَكَذاك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: استعملت الأحداثَ. ولم أستعمِل إلّا مُجْتَمَعًا مَرْضِيًّا، وهؤلاء أهل عملي فسلوهم، وقد ولّي من قبلي أحدثَ منه، وقيل في ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد ممّا قيل لي في استعماله أُسامة، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إنّي أعطيت ابنَ أبي سَرْح مَا أفاء اللَّهُ عليه، وإنّي إنّما نَفَلْتُهُ خُمْس الخُمْسِ، فكان مائة ألف، وقد نَفَل مثل ذلك أَبُو بكر وعمر، وزعم الجُنْد أنّهم يكرهون ذلك فردَدْتُهُ عليهم، وليس ذلك لهم، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إنّي أحبّ أهلي وأعْطيهم، فأما حبهم فلم يوجب جورًا، وأمّا إعطاؤهم، فإنّما أُعطيهم من مالي. ولا أستحلُّ أموالَ المُسْلِمين لنفسي ولا لأحدٍ. وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أُميَّة، وجعل ولده كبعض من يُعطى.
١ أخرج مسلم معناه "١٨٥٢/ ٦٠" في كتاب الإمارة، باب: حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، عن عرفجة قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه".