ثُمَّ ذكر قول أبي موسى:"لَا تسبقني بأمر" ورجع إلى أبي موسى، ثُمَّ إنه دخل بخمسةٍ وثلاثين رجلًا كأنهم البط يسبحون، وطلعوا إلى السُّور وكبروا، واقتتلوا هم ومن عندهم على السُّور، فقُتِلَ مجْزَأة. وفتح أولئك البلد، فتحصن الهُرْمُزان في بُرْج.
وَقَالَ قتادة، عَنْ أَنْس: لم نُصَلِّ يَوْمَئِذٍ الغداة حتى انتصف النهارُ فما يسُرُّني بتلك الصلاة الدنيا كلها.
وَقَالَ ابن سيرين: قُتِلَ يَوْمَئِذٍ البراء بْن مالك.
وقيل: أول من دخل تُسْتَر عبد الله بْن مغفل المازني.
وعن الحسن قَالَ: حُوصرت تُسْتَر سنتين.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: حاصرهم أَبُو موسى ثمانية عشر شهرًا، ثُمَّ نزل الهُرْمُزان على حُكم عُمَر، فَقَالَ حُمَيْد، عَنْ أَنْس: نزل الهُرْمُزان على حُكم عُمَر.
فلما انتهينا إليه -يعني إلى عُمَر بالهُرْمُزان- قَالَ: تكلّم، قَالَ: كلام حيّ أو كلام ميِّت؟ قَالَ: تكلم فلا بأس، قَالَ: إنا وإياكم معشر العرب مَا خلّى الله بيننا وبينكم، كنا نغضبكم ونقتلكم ونفعل، فما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان، قَالَ: يا أَنْس مَا تقول؟ قلت: يا أمير المؤمنين تركت بعدي عددًا كثيرًا وشوكة شديدة، فإن تقتُلْهُ ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم، قَالَ: فأنا أستحيي قاتل البراء ومجزأة بْن ثور! فلمّا أحسست بقتله قلت: ليس إلى قتله سبيل، قد قلت له: تكلم فلا بأس، قَالَ: لَتَأْتينّي بمن يشهد به غيرك، فلقيت الزُّبَيْر فشهد معي، فأمسك عنه عُمَر، وأسلم الهُرْمزان، وفرض له عُمَر، وأقام بالمدينة.
وفيها هلك هرقل عظيم الروم، وهو الَّذِي كتب إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعوه إلى الإسلام، وقام بعده ابنُه يُسْطَنْطِين.
وفيها قسَّم عُمَر خيبر وأجلى عنها اليهود، وقسّم وادي القُرى، وأجلى يهود نجران إلى الكوفة. قال محمد بن جرير الطبري.