للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَبَاهَا، فَإِمَّا دَعَا وَإِمّا بَزَقَ فِيهَا فَجَاشَتْ فَسَقَتْنَا وَأُسْقِينَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ١.

وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مِسْوَرٍ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَنَّهُمَا قَالا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لا يُرِيدُ قِتَالا.

وَسَاقَ مَعَهُ لِلْهَدْيِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَكَانَ النَّاسُ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، فَكَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةِ نَفَرٍ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا بَلَغَنِي يَقُولُ: كُنَّا أَصْحَابَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.

قلت: قد ذكرنا عَنْ جماعةٍ من الصّحابة كقول جَابِر.

ثُمَّ ساق ابن إِسْحَاق، حديث الزُّهري بطُوله، وفيه ألفاظٌ غريبة، منها: وجعل عُرْوَة بن مَسْعُود يكلّم النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمُغيرَةُ واقفٌ عَلَى رَأْسِ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحديد. قَالَ: فجعَلَ يقرع يد عُرْوَةَ إذا تناول لحيَةَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقول: أكفُفْ يدك عَنْ لحية رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أن لَا تصل إليك. فيقول عُرْوَة: وَيْحك ما أفَظَّكَ وأغلظَكَ. قال: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ عُرْوَة: من هذا يا مُحَمَّد؟ قَالَ: "هذا ابن أخيك المُغِيرة بْن شُعبة". قَالَ: أي غدر، وهل غَسَلْتَ سَوْءَتَك إلّا بالأمس؟

قَالَ ابن هشام: أراد عُرْوَة بقوله هذا أنّ المُغيرة قبْل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلًا من بني مالك من ثقيف؛ فتهايج الحيان من ثقيف: بنو مالك رَهط المقتولين والأحلاف رَهط المُغيرة فَوَدَى عُرْوَة المقتولين ثلاث عشرة دِيَة، وأصلح الأمر.

وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: ثنا أَبُو الأَسْوَدِ، قَالَ عُرْوَةُ: وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ، فَسَبَقُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَلْدَحٍ وَإِلَى الْمَاءِ، فَنَزَلُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَدْ سُبِقَ نَزَلَ عَلَى الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ فِي حَرِّ شَدِيدٍ وَلَيْسَ بِهَا إِلا بِئْرٌ وَاحِدَةٌ، فَأَشْفَقَ الْقَوْمُ مِنَ الظَّمَإِ وَهُمْ كَثِيرٌ، فَنَزَلَ فِيهَا رِجَالٌ يَمْتَحُونَهَا، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ فِي الدَّلْوِ وَمَضْمَضَ فَاهُ ثُمَّ مَجَّ فِيهِ، وَأَمَرَ أَنْ يُصَبَّ فِي الْبِئْرِ، وَنَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَأَلْقَاهُ فِي الْبِئْرِ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى، فَفَارَتْ بِالْمَاءِ حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها، وهم


١ أخرجه مسلم "١٨٠٧" كتاب الجهاد والسير.