للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحَدًا إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِنَّهُ كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا ١، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ. فَقَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيًا. فَقَالَ: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ. قَالَ: يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} " [آل عمران: ١٦٩] الآية٢.

وَيُرْوَى نَحْوَهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

وَكَانَ أَبُو جَابِرٍ مِنْ سَادَةِ الْأَنْصَارِ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غُنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ. وَأُمُّهُ الرَّبَابُ بِنْتُ قَيْسٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ. شَهِدَ مَعَهُ الْعَقَبَةَ وَلَدُهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غُنْمٍ الْأَنْصَارِيُّ السَّلْمِيُّ، سَيِّدُ بَنِي سَلَمَةَ، الَّذِي دُفِنَ مَعَهُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ: شَهِدَ بَدْرًا. وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ هُوَ الَّذِي قَطَعَ رِجْلَ أَبِي جَهْلٍ، وَقَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَلْبِهِ لِمُعَاذٍ, وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- زَوْجَ أُخْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ.

وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ مَنَافٌ فِي بَيْتِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. فَلَمَّا قَدِمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ الْمَدِينَةَ، بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَمْرٌو: مَا هَذَا الَّذِي جِئْتُمُونَا بِهِ؟ قَالُوا: إِنْ شِئْتَ جِئْنَا وَأَسْمَعْنَاكَ، فَوَاعَدَهُمْ فَجَاءُوا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ مُصْعَبٌ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: ١] ، فَقَرَأَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقْرَأَ.

فَقَالَ: إِنَّ لَنَا مُؤَامَرَةً فِي قَوْمِنَا -وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي سَلَمَةَ- فَخَرَجُوا، فَدَخَلَ عَلَى مَنَافَ فَقَالَ: يَا مَنَافُ، تَعْلَمُ وَاللَّهِ مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ غَيْرَكَ، فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ نَكِيرٍ؟ قَالَ: فَقَلَّدَهُ سَيْفًا، فَخَرَجَ فَقَامَ أَهْلُهُ فَأَخَذُوا السَّيْفَ، فَجَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَخَذُوا السَّيْفَ, فَقَالَ: يَا مَنَافُ أَيْنَ السَّيْفُ؟ وَيْحَكَ! إِنَّ الْعَنْزَ لَتَمْنَعُ اسْتَهَا٣، وَاللَّهِ مَا أَرَى فِي أَبِي جِعَارٍ غَدًا مِنْ خَيْرٍ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى مَالِي فَاسْتَوْصُوا بِمَنَافَ خَيْرًا. فَذَهَبَ فَكَسَرُوا مَنَافَ وَرَبَطُوهُ مَعَ كَلْبٍ مَيِّتٍ. فَلَمَّا جَاءَ رَأَى مَنَافَ، فَبَعَثَ إِلَى قَوْمِهِ فَجَاءُوهُ فَقَالَ: أَلَسْتُمْ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ؟ قَالُوا: بَلَى، أَنْتَ سَيِّدُنَا. قَالَ: فَإِنِّي أشهدكم أني قد آمنت


١ كفاحًا: أي: مواجهة، ليس بينهما حجاب ولا رسول، وهذا بعد الموت، أما قبله فلا.
٢ "حسن": أخرجه الترمذي "٣٢١٠" في "التفسير"، وابن ماجه "٢٨٠٠"، وقال الشيخ الألباني في "صحيح سنن الترمذي" "٢٤٠٨": "حسن".
٣ تمنع استها: تحفظ عورتها.