للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن اللَّخْنَاءِ أَتَدْفَعُ النَّاسَ عَنْ طَعَامِي؟

وَحَكَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ أَنَّ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ وَزَنَ دِرْهَمًا فَنَقَصَ حَبَّةً فَكَتَبَ إِلَى دُورِ الضَّرْبِ بِالْعِرَاقِ فَضَرَبَ أَهْلَهَا فَأَحْصَى فِي تِلْكَ الْحَبَّةِ مِائَةَ أَلْفِ سَوْطٍ ضَرَبَهَا.

وَقِيلَ: كَانَ يُضْرَبُ المثل بحمقه وتيهه حتى كانوا يقولوا أَحْمَقُ مِنْ أَحْمَقِ ثَقِيفٍ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ حَجَّامًا أَرَادَ أَنْ يَحْجِمَهُ١ فَارْتَعَدَ فَقَالَ لِحَاجِبِهِ: قُلْ لِهَذَا الْبَائِسِ لا تَخَفْ، وَمَا رَضِيَ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِنَفْسِهِ.

وَلَمَّا اسْتُخْلِفَ الْوَلِيدُ الْفَاسِقُ هَمَّ بِعَزْلِ يُوسُفَ وَبِتَوْلِيَةِ ابْنِ عَمِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَوَالِدَةُ الْوَلِيدِ ابْنَيْ عَمٍّ فَسَارَ يُوسُفُ إِلَى الْوَلِيدِ وَقَدَّمَ لَهُ أَمْوَالا عَظِيمَةً وَتُحَفًا، وَكَانَ خَالِدٌ الْقَسْرِيُّ مَسْجُونًا فِي سِجْنِ الْوَلِيدِ فَقَرَّرَ مَعَ أَبَانِ النمري أن يشتري خالد الْقِسْرِيَّ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْوَلِيدُ لِيُوسُفَ: ارْجَعْ إِلَى عَمِّكَ، فَقَالَ أَبَانُ لِلْوَلِيدِ: اعْطِنِي خَالِدًا وَأَدْفَعُ إِلَيْكَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، قَالَ: وَمَنْ يَضْمَنُ هَذَا الْمَالُ عَنْكَ؟ قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: أَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَحَمَلَهُ في محمل لغير وِطَاءٍ وَقَدِمَ بِهِ إِلَى الْعِرَاقِ فَأَهْلَكَهُ تَحْتَ الْعَذَابِ وَالْمُصَادَرَةِ وَطَلَبَ مِنْهُ أُلُوفًا لا تُحْصَى.

ثُمَّ اقْتَصَّ مِنْ يُوسُفَ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ بأبيه وقتله ثم قتل يويد بْنَ خَالِدٍ حِينَ تَمَلَّكَ مَرْوَانُ الْحِمَارُ.

قَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: ثنا حَيَّانُ بْنُ زُهَيْرٍ ثنا أَبُو الصَّيْدَاءِ صَالِحُ بْنُ طَرِيفٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الْعِرَاقَ أَتَانَا خَبَرَهُ بِخُرَاسَانَ، قَالَ: فَبَكَى أَبُو الصَّيْدَاءِ وَقَالَ: هَذَا الْخَبِيثُ شَهِدْتُهُ ضَرَبَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ حَتَّى قَتَلَهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: يُقَالُ: إِنَّ يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ لَمَّا وُلِّيَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ هَذَا الْفَاسِقَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ قَدْ صَارَ إِلَى الْبَلْقَاءِ فَاطْلُبُوهُ، قَالَ: فَلَمْ يُوجَدْ، فَتَهَدَّدُوا ابْنَهُ، فَقَالَ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَيْهِ، إِنَّهُ انْطَلَقَ إِلَى مَزْرَعَةٍ لَهُ، فَسَارَ إِلَيْهِ خَمْسُونَ فَارِسًا، فَإِذَا بِهِ انْمَلَسَ وَاخْتَفَى، فَإِذَا نِسْوَةٌ أَلْقَيْنَ عَلَيْهِ قَطِيفَةً وَجَلَسْنَ عَلَى حَوَاشِيهَا، فَجَرُّوا بِرِجْلِهِ فَأَتَوْا بِهِ، وَكَانَ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ فَأَخَذَ حَرَسِيٌّ بِلِحْيَتِهِ فَهَزَّهَا وَنَتَفَ مِنْهَا، وَكَانَ قَصِيرًا فَأُدْخِلَ عَلَى يَزِيدَ فَقَبَضَ يُوسُفُ عَلَى لِحْيَتِهِ، وَإِنَّهَا لَتَجُوزُ سُرَّتَهُ، وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا أمير


١ والحجامة: امتصاص الدم بالمحجم بعد تشريط الجلد، وقد تكون الحجامة جافة دون إدماء.