للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنْ جُوَيْرِيَّةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: اسْتُخِلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَوَفَدَ بِلالٌ فَهَنَّأَهُ وَقَالَ: مَنْ كَانَتِ الْخِلافَةُ يَا أَمِيرُ شَرَّفَتْهُ فَقَدْ شَرَّفْتَهَا، وَمَنْ كَانَتْ زَانَتْهُ فَقَدْ زِنْتَهَا وَأَنْتَ كَمَا قَالَ مَالِكُ بْنُ أَسْمَاءَ:

وَتَزِيدِينَ طِيبَ الطِّيبِ طِيبًا ... إِنْ تَمَسِّيهِ أَيْنَ مِثْلُكِ أيْنَا

وَإِذَا الدُّرُّ زَانَ حُسْنَ وُجُوهٍ ... كَانَ لِلدُّرِّ حُسْنُ وَجهِكَ زَيْنًا

فَجَزَاهُ عُمَرُ خَيْرًا، وَلَزِمَ بِلالُ الْمَسْجِدَ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ وَيَتَهَجَّدُ فَهَمَّ عُمَرُ بِهِ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْعِرَاقَ ثُمَّ دَسَّ ثِقَةً لَهُ فَقَالَ لِبِلالٍ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ: فَنَفَاهُ عُمَرُ وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ إِنَّ صَاحِبَكُمْ أَعْطَى مَقُولا وَلَمْ يُعْطِ مَعْقُولا زَادَتْ بَلاغَتُهُ، وَنَقَصَتْ زَهَادَتُهُ.

وَقِيلَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ أَخَذَ حَظَّ بِلالٍ بِالْمَالِ ثُمَّ حَمَلَ ذَلِكَ الْحَظُّ إِلَى عُمَرَ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: كَانَ بِلالُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ ظَلُومًا جَائِرًا لا يُبَالِي مَا صَنَعَ فِي الْحُكْمِ وَلا فِي غَيْرِهِ.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: كَانَ بِلالِ قُد خَافَ الْجُذَامَ فَوُصِفَ لَهُ سَمْنٌ يَقْعُدُ فِيهِ فَكَانَ يَقْعُدُ ثُمَّ يَأْمُرُ بِالسَّمْنِ فَيُبَاعُ فَتُحِبُّ السُّوقَةُ شِرَاءَ السَّمْنِ.

وَفِيهِ يَقُولُ يَحْيَى بْنُ نَوْفَلٍ الْحِمْيَرِيُّ:

وَكُلُّ زَمَانِ الفَتَى قَدْ لَبِسْتُ ... خَيْرًا وَشَرًّا وَعُدْمًا وَمَالا

فَلا الفَقْرُ كُنْتُ لَهُ ضَارِعًا ... وَلا الْمَالُ أَظْهَرَ مِنِّي اخْتِيَالا

وَقَدْ طُفْتُ لِلْمالِ شَرْقَ الْبِلادِ ... وَغَرْبِيَّهَا وَبَلَوْتُ الرِّجَالا

فَلَوْ كُنْتُ مُمْتَدِحًا للنَّوَالِ ... فَتًى لَمَدَحْتُ عَلَيْهِ بِلالا

وَلَكِنَّنِي لَسْتُ مِمَّنْ يُرِيدُ ... بِمَدْحِ الْمُلُوكِ عَلَيْهِ النَّوَالا

سَيَكْفِي الْكَرِيمَ إخَاءُ الْكَرِيمِ ... وَيَقْنَعُ بِالْوَدَّ مِنْهُ سُؤَالا

ثُمَّ إِنَّهُ هَجَا بِلالا بِأَبْيَاتٍ، وَكَانَ بِلالُ مِنَ الأَكَلَةِ الْمَعْدُودِينَ.

ذَكَرَ المدائني أن بلال أَرْسَلَ إِلَى قَصَّابٍ سَحَرًا قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَانُونٌ وَعِنْدَهُ تَيْسٌ ضَخْمٌ فَقَالَ: اذْبَحْهُ وَاسْلُخْهُ وَكَبُّبْ لَحْمَهُ. فَفَعَلْتُ وَدَعَا بِخِوَانٍ فَوُضِعَ، وَجَعَلْتُ أُكَبِّبُ اللَّحْمَ فَإِذَا اسْتَوَى مِنْهُ شَيْءٌ وَضَعْتُهُ بُيْنَ يَدَيْهِ فَأَكَلَهُ حَتَّى تَعَرَّقَتْ له لحم