للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية، وولي الْكُوفَة لعُثْمَان، واعتزل عليًا وَمُعَاوِيَة من عقله، فلما صفا الأمر لمعاوية وفد إليه، فأمر لَهُ بجائزة عظيمة، وقد غزا سَعِيد طبرستان في إمرته عَلَى الْكُوفَة، فافتتحها، وفيه يقول الفرزدق:

ترى الغُر الجحاجح١ من قريش ... إذا مَا الأمر دون الحَدَثَان عالا

قِيَامًا ينظرونَ إِلَى سَعِيد ... كأَنَّهُم يَرَوْنَ بِهِ هِلالا

وَقَالَ ابن سعد: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولسَعِيد بن العاص أَبِي أحَيحة تسع سنين أَوْ نحوها.

وَلَمْ يزل في نَاحِيَةِ عُثْمَان لقرابته مِنْهُ، فاستعمله عَلَى الْكُوفَة لَمَّا عزل عنها الْوَليد بن عُتبة، فقدِمها سَعِيد شابًا مترفًا، فأضر بأَهْلها إضرارًا شديدًا، وعمل عليها خمس سنين إِلَّا شهرًا، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ أَهْل الْكُوفَة وطردوه، وأمَّروا عليهم أبا موسى، فأبى عليهم، وجدد البيعة في رقابهم لعُثْمَان، وكتب إليه فاستعمله عليهم.

وَكَانَ سَعِيد بن العاص يَوْم الدار مع عُثْمَان يقاتل عَنْهُ، وَلَمَّا خرج طلحة والزبير نَحْوَ الْبَصْرَةِ خرج معهم سَعِيد، ومروان، والمغيرة بن شُعبة، فلما نزلَوْا مَرَّ الظهران قَامَ سَعِيد خطيبًا، فحمد اللَّه، وأثني عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أما بَعْد، فإن عُثْمَان عاش حميدًا، وخرج شهيدًا، فضاعف اللَّه لَهُ حسناته، وقد زعمتم أنكم خرجتم تطلبون بدمه، فإن كنتم تريدون ذلك، فإن قَتَلَةَ عُثْمَان عَلَى صدور هَذِهِ المطي وأعجازها، فميلوا عليهم أسيافكم، فقال مروان: لا بل نضرب بعضهم ببعض، فمن قتل ظفرنا منه، ويبقى الباقي فنطلبه وقد وَهن، وَقَامَ المغيرة فَقَالَ: الرأي مَا رأي سَعِيد، وذهب إِلَى الطائف، ورجع سَعِيد بن العاص بمن اتبعه، فلم يزل بمكة حَتَّى مضت الجمل وصِفين٢.

وَقَالَ قَبِيصة بن جابر: إِنَّهُم سألوا مُعَاوِيَة: من ترى لِهَذَا الأمر بَعْدَك؟ قَالَ: أما كريمة قريش فسَعِيد بن العاص وأما فلان، وذكر جَمَاعَة٣.

ابْنُ سَعْدٍ: ثَنَا عَلَيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ جَعْدِيَّةِ، عَنْ عبد الله بن


١ الكرام، فيقال للسيد الكريم: الجحجاح.
٢ الطبقات الكبرى "٥/ ٣١-٣٥"، السير "٣/ ٤٤٦".
٣ السير "٣/ ٤٤٦".