للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذا قال اليَسَع.

وقال ابن خلِّكان: حَضَرت ابن تُومَرْت الوفاةُ، فأوصى أصحابه وشجّعهم، وقال: العاقبة لكم. ومات في سنة أربعٍ وعشرين إثر الوقعة الّتي قُتِلَ فيها الوَنْشَرِيسيّ، ودُفِن بالجبل، وقبرُه مشهورٌ معظّم.

ومات كهلًا.

وكان رَبْعةً، أسمر، عظيم الهامة، حديد النّظر، مَهِيبًا.

وقيل فيه: آثاره تُغنيك عن أخباره حتّى كأنّك بالعَيَان تراه، قدمٌ في الثَّرَى وهامة في الثريا، ونفس ترى إراقة ماء الحياء دون ماء المُحيّا. أغفل المرابطون ربطْه حتّى دبّ دبيب الفَلَق في الغَسَق، وترك في الدّنيا دَوِيًّا. وكان قُوتُه من غزْل أخته رغيفًا في كلّ يومٍ، بقليل سمنٍ أو زيت. فلم ينتقل عن ذلك حين كثُرت عليه الدّنيا.

ورأى أصحابه يومًا وقد مالت نفوسُهم إلى كثْرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من كان يبتغي الدّنيا فما له عندي إلّا هذا، ومن كان يبتغي الآخرة فجزاؤه عند الله.

ومن شعره:

أخذت بأعضادهم إذْ نأوا ... وخَلْفك القوم إذْ ودّعوا

فكم أنت تُنْهَى ولا تنتهي ... وتُسْمع وعظًا ولا تَسْمعُ

فيا حجر الشَّحْذ حتّى متى ... تسنّ الحديد ولا تقطعُ

وكان يتمثّل كثيرًا من قول:

تجرّد من الدّنيا فإنك إنما ... خرجت إلى الدُّنيا وأنت مجرَّدُ

ولم يتملك شيئًا من البلاد، وإنما قرّر القواعد ومهّدها، وبَغَتَه الموت.

وكانت الفتوحات على يد عبد المؤمن.

وقد كان الملك أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن في أيّامه، وقد زار قبر ابن تُومَرْت بمحضرٍ من الموحّدين، فقام شاعر وانشد هذه القصيدة، وفيها جُمل ممّا كان يعتقده ابن تُومَرْت يخبر به:

سلامٌ على قبر الإمام الممجَّدِ

سلالةِ خير العالِمين محمد