بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تزال طائفة بالمغرب ظاهرين على الحقّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله" ١.
وأنتم الّذين يفتح الله بكم الرّوم، ويقتل بكم الدجال، ومنكم الأمير الذي يصلي بعيسى ابن مريم.
هذا مع جزيئات كان يخبرهم بها وقع أكثرها.
وكان يقول: لو شئتُ أن أَعُدَّ خُلفاءكم خليفةً خليفةً لَعَدَدْتُ.
فعظُمَت فتنةُ العوام به، وبالغوا في طاعته، إلى أن بلغوا حدًّا لو أمر أحدهم بقتْل أبيه أو أخيه أو أبنه لقتله.
وسهّل ذلك عليهم ما في طباعهم من القسوة المعهودة في أهل الجبال، لا سيما الخاربة البربر، فإنّهم جُبلوا على الإقدام على الدماء، واقتضاه إقليمهم.
حتّى قيل إنّ الإسكندر أُهديت له فرسٌ لَا تُسبق، لكنها لَا تصهل، فلّما حلّ بجبال دَرَنْ، وهي بلاد المَصَامدة هذه، وشربت تلك الفرس من مياهها صهلت.
فكتب الإسكندر إلى الحكيم يخبره، فكتب إليه: هذه بلاد سر وقسوة، فعجِّل بالخروج منها.
وأنا فقد شاهدت من إقدامهم على القتْل لمّا كنت بالسُّوس ما قضيت منه العجب.
قال: وقوي أمر ابن تومرت في سنة خمس عشرة وخمسمائة، فلما كان في سنة سبْع عشرة جهّز جيشًا من المَصَامِدة، جُلُّهم من أهل تينمل والسُّوس، وقال لهم: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدّلين الّذين تسمَّوا بالمرابطين، فادْعُوهم إلى إماتة المُنْكَر، وإزالة البِدَع، والإقرار بالإمام المهديّ المعصوم، فإنْ أجابوكم فهُمْ إخوانكم، وإلّا فقاتِلُوهم، وقد أباحت لكم السُّنَّةُ قتالَهم.
وقدم عليهم عبد المؤمن، فسار بهم قاصدًا مَرّاكُش، فخرج لقتالهم الزُّبَير بن أمير المسلمين عليّ بْن يُوسُف بْن تاشفين، فلّما تراءى الْجَمْعان كلموا المرابطين بما أمرهم به
١ حديث صحيح: أخرجه مسلم "١٩٢٥"، وأبو يعلي "٢/ ١١٨"، وأبو نعيم في الحلية "٣/ ٩٥، ٩٦"، وقال الشيخ الألباني رحمة الله في الصحيحة "٩٦٥": واعلم أن المراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل الشام لأنهم يقعون في الجهة الغربية الشمالية بالنسبة للمدينة المنورة التي فيها نطق عليه الصلاة والسلام الحديث الشريف، وبهذا فسر الحديث الإمام أحمد رحمه الله، وأيده شيخ الإسلام ابن تيمية في عدة مواضع من الفتاوي "٧/ ٤٤٦، ٢٧/ ٤١، ٥٠٧، ٢٨/ ٥٣١، ٥٥٢".