للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: ٣٧] فَقَالَ: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: ١١٠] .

وَهَذَا الْبَشِيرُ مُطَّلِعٌ عَلَى الأَنْفُسِ مُحَدَّثٌ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ فِي أُمَّتِي مُحَدَّثِينَ. وَإِنَّ عُمَرَ مِنْهُمْ" ١. وَقَدْ صَحِبَنَا أقوامٌ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى سِرِّهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِيهِمْ، وَيُتَمِّمُّ الْعَدْلَ فِيهِمْ.

ثُمَّ نُودِيَ فِي جِبَالِ المصامدة: من كان مطيعًا للإمام فلْيُقْبِل.

فكانوا يأتون قبائل قبائل، فيُعرضون عليه، فيخرجون قومًا على يمينه، ويعدّهم من أهل الجنَّة، وقومًا على يساره، ويقول: هؤلاء شاكّون في الأمر.

حتّى كان يؤتى بالرجل فيقول: رُدّوا هذا على اليمين، فإنّه تائب، وقد كان قبل كافرًا، ثمّ أحدَث البارحة توبة، فيَعترف بما أخبر به. واتّفقت له فيهم عجائب.

وكان يطلق أهل اليَسَار وهم يعلمون أنّ مآلهم إلى القتْل فلا يفرّ منهم أحد.

وكان إذا اجتمع منهم كثير قتلهم قراباتُهُم، يقتل الأب ابنه، والأخُ أخاه، وابن العمّ ابن العَمّ. فالّذي صحّ عندي إنّه قُتِلَ منهم سبعون ألفًا على هذه الصّفة، ويسمُّونها التّمييز.

ولما كمل التّمييز وجّه جُمُوعه مع البشير نحو أَغْمات، فالتقوا المرابطين فهزموهم، وَقُتِلَ خلقٌ من المَصَامِدة لكونهم ثبتوا، وَجُرِحَ عمر الهِنْتانيّ جراحات، فحملوه على أعناقهم وهو كالميت، لَا يَنْبض له عِرْق. فقال لهم البشير: إنّه لَا يموت حتّى يفتح البلاد، ويغزو في الأندلس.

وبعد مدَّة من استماتته فتح عينيه، فزادهم ذلك إيمانًا بأمرهم.

ولّما أَتَوْا عزّاهم ابن تُومَرْت وقال: يومٌ بيوم، وكذلك حرْبُ الرُّسُلِ.

ونقل عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي في كتاب "المعجب" الذي اختصرته، أن ابن تُومَرْت رحل إلى بغداد، فأخذ الأصول عن أبي بكر الأصوليّ الشّاشيّ، وسمع من المبارك بن عبد الجبار ابن الطيوري.


١ حديث صحيح: أخرجه البخاري "٣٤٦٩، ٣٦٨٩"، وأحمد في المسند "٢/ ٣٣٩"، من حديث أبي هريرة، وفي الباب عن عائشة: أخرجه مسلم "٢٣٩٨"، والترمذي "٣٦٩٣"، وأحمد في المسند "٦/ ٥٥"، والحميدي في مسنده "٢٥٣"، وابن حبان في صحيحه "٦٨٩٤".