للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انتقل عن قُرْطُبة إِلَى المعتضد عَبَّاد صاحب إشبيلية بعد عام أربعين وأربعمائة، فجعله من خواصِّه، وبقي معه فِي صورة وزير.

فَمَنْ شِعره قَوله:

بَيْني وبَيْنَكَ ما لو شئت لم يضع ... سرٌّ، إذا ذاعت الأسرارُ لم يُذِعِ

يا بائعًا حَظَّهُ مِنّي ولو بُذِلَتْ ... لِيَ الحياةُ بِحَظّي منهُ لم أبعِ

يكفيك أنَّكَ لو حمَّلت قلبي ما ... لا تستطيعُ قلوبُ الناس يَسْتَطِعَ

تِهْ أَحْتَمِل، وَاسْتَطِلْ أَصْبِر، وَعِزَّ أَهُنْ ... وَوَلِّ أُقْبِل، وقُلْ أَسْمَع، ومُرْ أُطِعِ

وله:

أَيَّتُها النّفسُ إليْهِ اذْهَبي ... فَمَا لِقَلْبِي عَنْهُ مِنْ مَذْهَبِ

مُفَضَّضُ الثَّغْرِ لهُ نُقْطَةٌ ... مِن عَنْبَرٍ فِي خَدِّه المُذْهَب

أيأسني التَّوْبَةَ من حُبِّهِ ... طُلُوعُهُ شَمْسًا مِن المغربِ

وله القصيدة السائرة الباهرة:

بِنْتُمْ وَبِنَّا فَمَا ابْتَلَّتْ جَوَانِحُنَا ... شوقًا إليكُمْ ولا جفَّتْ مَآقِينا

كُنّا نرى اليأسَ تُسْلِينا عَوَارِضُه ... وقَدْ يَئِسْنا فَمَا لليّأْسِ يُغْرِينا

نَكَادُ حينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمَائِرُنا ... يَقْضِي علَيْنا الأَسَى لولا تأسَينا

طالت لِفَقْدكُم أيَّامُنا، فَغَدَتْ ... سُودًا، وكانَتْ بِكُمْ بيضًا ليالينا

بالأمسِ كنَّا وما يُخشَى تَفَرُّقُنا ... واليومَ نحنُ وما يُرْجَى تَلَاقينا

إِذْ جانِبُ العَيْشِ طَلْقٌ من تَأَلُّفِنا ... ومورد اللهو صافٍ من تصافينا

كأنَّنا لَمْ نَبِت، والوصْلُ ثالِثُنا ... والسَّعْدُ قَدْ غَضَّ من أجْفَانِ واشِينا

ليُسْقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُّرُورِ فَمَا ... كُنْتُمْ لأَرواحِنا إِلّا رَياحِينا١

وهي طويلة.

توفِّي ابن زيدون فِي رجب بإشبيلية.


١ الأبيات في الديوان "٢٩٨، ٢٩٩"، والوافي بالوفيات "٧/ ٩١، ٩٢" ذكر بعضها.