للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ اللَّهَ سَيَسْكُنُ مَعَ النَّاسِ فِي الْأَرْضِ، هُوَ مِثْلَ كَوْنِهِ مَعَهُمْ، وَإِذَا صَارَ فِي الْأَرْضِ نُورُهُ وَهُدَاهُ وَدِينُهُ وَنَبِيُّهُ كَانَتْ هَذِهِ سُكْنَاهُ، لَا أَنَّهُ بِذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ يَنْزِلُ عَنْ عَرْشِهِ وَيَسْكُنُ مَعَ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَوْ قُدِّرَ تَقْدِيرُ الْمُحَالَاتِ أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَسِيحُ، فَقَدْ سَكَنَ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فَمَا الْمُوجَبُ لِأَنْ يَكُونَ الْمَسِيحُ هُوَ الْإِلَهُ دُونَ إِخْوَانِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، أَتَرَى ذَلِكَ لِلْقُوَّةِ وَالسُّلْطَانِ الَّذِي كَانَ لَهُ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ، وَقَدْ قُلْتُمْ إِنَّهُ قُبِضَ عَلَيْهِ وَفُعِلَ بِهِ مَا فُعِلَ مِنْ غَايَةِ الْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ وَالْقَهْرِ، فَهَذَا ثَمَرَةُ سُكْنَاهُ فِي الْأَرْضِ مَعَ خَلْقِهِ؟

وَإِنْ قُلْتُمْ: سُكْنَاهُ فِي الْأَرْضِ مَعَ خَلْقِهِ هُوَ ظُهُورُهُ فِي نَاسُوتِ الْمَسِيحِ، قِيلَ لَكُمْ: أَمَّا الظُّهُورُ الْمُمْكِنُ الْمَعْقُولُ وَهُوَ ظُهُورُ مَحَبَّتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَدِينِهِ وَكَلَامِهِ، فَهَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ نَاسُوتِ الْمَسِيحِ وَنَاسُوتِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِنَاسُوتِ الْمَسِيحِ.

وَأَمَّا الظُّهُورُ الْمُسْتَحِيلُ الَّذِي تَأْبَاهُ الْعُقُولُ وَالْفِطَرُ وَالشَّرَائِعُ وَجَمِيعُ النُّبُوَّاتِ، وَهُوَ ظُهُورُ ذَاتِ الرَّبِّ فِي نَاسُوتِ مَخْلُوقٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَاتِّحَادِهِ بِهِ وَامْتِزَاجِهِ وَاخْتِلَاطِهِ فَهَذَا مُحَالٌ عَقْلًا وَشَرْعًا، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْطِقَ بِهِ نُبُوَّةٌ أَصْلًا، بَلِ النُّبُوَّاتُ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أُصُولٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدِيمٌ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلَا نِدَّ وَلَا ضِدَّ وَلَا وَزِيرَ وَلَا مُشِيرَ وَلَا ظَهِيرَ وَلَا شَافِعَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَا وَالِدَ لَهُ وَلَا وَلَدَ وَلَا كُفْؤَ وَلَا نَسِيبَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَلَا زَوْجَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>