عَنِ الْعَرَبِ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ وَقَالَا: الْأَصْلُ (أَأَنْتُمْ) فَأَبْدَلَ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ " هَا "؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَخْرَجِهَا، وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ، وَهُمْ حُجَّةُ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوْ جَازَ فِي (هَانْتُمْ) مِثْلُ (هَعَنْتُمْ) لَجَازَ فِي (هَاذَا) هَذَا - فَكِلَاهُمَا جَائِزٌ مَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَأَتَى صَوَاحِبُهَا فَقُلْنَ هَذَا الَّذِي ... مَنَحَ الْمَوَدَّةَ غَيْرَنَا وَجَفَانَا
أَنْشَدَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَقَالَ: يُرِيدُ إِذَا الَّذِي، فَأَبْدَلَ الْهَمْزَةَ هَاءً.
(قُلْتُ) : وَمَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ يَجُوزُ أَنَّ الْأَصْلَ (هَا) فِي (هَاذَا) لِلتَّنْبِيهِ، فَحُذِفَتْ أَلِفُهَا كَمَا حُذِفَتْ أَلِفُ (هَا) التَّنْبِيهِ نَحْوُ (أَيُّهَ الثَّقَلَانِ) وَقْفًا، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ مِنْ أَشْكَلِ حُرُوفِ الِاخْتِلَافِ وَأَغْمَضِهَا وَأَدَقِّهَا، وَتَحْقِيقُ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الرُّوَاةُ عَنِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا حَالَ تَحْقِيقِ هَمْزَتِهَا وَتَسْهِيلِهَا لَا يَتَحَصَّلُ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ الْهَاءِ الَّتِي فِي أَوَّلِهَا؛ أَهِيَ لِلتَّنْبِيهِ أَمْ مُبْدَلَةٍ مِنْ هَمْزَةٍ؟ فَبِحَسَبِ مَا يُسْتَقَرُّ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِي مَذْهَبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ يُقْضَى لِلْمَدِّ وَالْقَصْرِ بَعْدَهَا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْهَاءَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَمْرٍو، وَقَالُونَ، وَهِشَامٍ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّنْبِيهِ، وَأَنْ تَكُونُ مُبْدَلَةً مِنْ هَمْزَةٍ، وَعَلَى مَذْهَبِ قُنْبُلٍ وَوَرْشٍ لَا تَكُونُ إِلَّا مُبْدَلَةً لَا غَيْرَ، قَالَ: وَعَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَزِّيِّ وَابْنِ ذَكْوَانَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلتَّنْبِيهِ فَمَنْ جَعَلَهَا لِلتَّنْبِيهِ، وَمَيَّزَ بَيْنَ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ فِي حُرُوفِ الْمَدِّ لَمْ يَزِدْ فِي تَمْكِينِ الْأَلِفِ سَوَاءٌ حَقَّقَ الْهَمْزَةَ أَوْ سَهَّلَهَا. وَمَنْ جَعَلَهَا مُبْدَلَةً، وَكَانَ مِمَّنْ يَفْصِلُ بِالْأَلِفِ زَادَ فِي التَّمْكِينِ سَوَاءٌ أَيْضًا حَقَّقَ الْهَمْزَةَ أَوْ لَيَّنَهَا. انْتَهَى. وَقَدْ تَبِعَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَزَادَ عَلَيْهِ احْتِمَالَ وَجْهَيِ الْإِبْدَالِ وَالتَّنْبِيهِ، عَنْ كُلٍّ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَزَادَ أَيْضًا قَوْلَهُ: (وَذُو) الْبَدَلِ الْوَجْهَانِ عَنْهُ مُسَهَّلًا، وَقَدِ اخْتَلَفَ شُرَّاحُ كَلَامِهِ فِي مَعْنَاهُ وَلَا شَكَّ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ بِذِي الْبَدَلِ مَنْ جَعَلَ الْهَاءَ مُبْدَلَةً مِنْ هَمْزَةٍ، وَالْأَلِفَ لِلْفَصْلِ ; لِأَنَّ الْأَلِفَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَدْ تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّصِلَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ حَقَّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute