للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاصِّ، والمُطلَقِ على المُقَيَّد، وعليه حَمَلَ الفقهاءُ لكثيرٍ مِن السُّنَن القوليَّة العامَّة على سُنَنٍ فِعليَّة تُخصِّصُها أو تُقيِّدُها (١).

يقول صاحبُ نظمِ «المَراقي» (٢):

في حقِّه القَولُ بفعلٍ خُصَّا *** إنْ يَكُ فيه القَولُ ليس نَصًّا

ففي هذه القاعدة يندرج الحَديثان اللَّذان ادَّعَى (البِحيريُّ) تَعارضَهما! وذلك:

أنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُنكَح البِكرُ حتَّى تُستَأذَن» مِن القولِ العامِّ الَّذي خصَّصُه فعلُه صلى الله عليه وسلم، وفعلُ صَحابتِه من بعده، فقد «زَوَّج غيرُ واحدٍ مِن أصحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم ابنتَه صغيرة» (٣).

لِتعلمَ أنَّ عمومَ حديثِ الأمرِ بالاستئذانِ إنَّما هو في كلِّ بِكْرٍ إلَّا في الصَّغيرة ذات الأبِ، إذْ جائزٌ لأبيها أن يُزَوِّجها ولو بغير استِئذانِها، فإنَّ الصَّغيرةَ لا عَبارةَ لها ولا إذْنَ لمثلِها (٤)، والاستئذانُ لا يكون إلَّا للعاقلِ البالغِ، وأُنيطَ اختيارُ الكُفْؤِ لها بأبِيها لمزيدِ عقلِه وشَفَقتِه عليها.

وهذا حكمٌ مُستنبطٌ عند الفقهاء من نفسِ قِصَّة زواجِ عائشة رضي الله عنها مع دلائل أخرى.

يقول الخَطَّابي بعد سَوْقِه لحديثها في ذلك: «في هذا دَلالةٌ على أنَّ البِكر الَّتي أُمِر باستئذانِها في النِّكاح، إنَّما هي البَالغُ دون الَّصغيرةِ الَّتي لم تَبلُغ، لأنَّه لا مَعنى لإذْنِ مَن لم تكُن بالغًا، ولا اعتبارَ برِضاها ولا بسخطِها» (٥).


(١) انظر «المهذب في أصول الفقه المقارن» (٤/ ١٥٩٦).
(٢) انظر «نشر البنود في شرح مراقي السعود» (٢/ ٢١)، و «مراقي السعود» منظومة ألفيَّة في أصول الفقه، لصاحبها عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي (ت ١٢٣٥ هـ)، انظر ترجمته في «الأعلام» للزركلي (٤/ ٦٥).
(٣) «الأمَّ» للشافعي (٩/ ١١٨).
(٤) «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ١٩١).
(٥) «معالم السنن» (٣/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>