لَمْ يُجْزِهِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ أَوْقَعَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالُوهُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَلَا يَشْكُلُ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا حَيْثُ لَا يَسْجُدُ فِيهَا لِلسَّهْوِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْكِفَايَةِ فِي بَابِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ الْإِبْعَاضَ آكَدُ مِنْ بَقِيَّةِ السُّنَنِ نَعَمْ صُحِّحَ فِيهِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا كَالْفَاتِحَةِ.
وَيُوَجَّهُ بِتَأَكُّدِهَا وَشَبَهِهَا بِالْفَاتِحَةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْقُنُوتِ بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ دُعَاءٍ وَبِآيَةٍ فِيهَا دُعَاءٌ لَكِنْ الْأَوْلَى لَفْظُهُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت» قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ وَزَادَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت قَبْلَ تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت وَبَعْدَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْت أَسْتَغْفِرُك اللَّهُمَّ وَأَتُوبُ إلَيْك زَادَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا بَأْسَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ بِزِيَادَةِ «وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت» فَإِنْ كَانَ إمَامًا أَتَى بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ وَعَلَيْهِ حَمْلُ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا دُعَاءً نَدْعُو بِهِ فِي قُنُوتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ اللَّهُمَّ اهْدِنَا» إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَيُكْرَهُ إطَالَةُ الْقُنُوتِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِيهِ وَفِي تَحْقِيقِهِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ أَنَّ إطَالَةَ الِاعْتِدَالِ لَا تَضُرُّ.
أَمَّا عَلَى الْمَنْقُولِ مِنْ أَنَّ الِاعْتِدَالَ قَصِيرٌ فَقَدْ يُقَالُ الْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ تَطْوِيلَ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ عَمْدًا مُبْطِلٌ وَيُجَابُ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ الْقُنُوتِ إذْ الْبَغَوِيّ نَفْسُهُ الْقَائِلُ بِكَرَاهَةِ الْإِطَالَةِ قَائِلٌ بِأَنَّ تَطْوِيلَ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَلِلْإِمَامِ بِرِضَى مَحْصُورِينَ الْجَمْعُ فِي الْقُنُوتِ
ــ
[حاشية العبادي]
الْكِفَايَةِ عَنْ الْعِجْلِيّ وَأَقَرَّهُ مَنْ نَفَى اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ فِي الْمَقْضِيَّةِ مِنْ الْعِيدِ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ اهـ لَكِنْ خَالَفَ الْعِجْلِيّ هُنَاكَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَا قَالُوهُ فِي الْقِرَاءَةِ لِلْفَاتِحَةِ.
(قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا) أَيْ: حَيْثُ يَسْجُدُ حِينَئِذٍ لِلسَّهْوِ. (قَوْلُهُ: الْجَمْعُ فِي الْقُنُوتِ إلَخْ)
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَيَسْجُدُ) أَيْ: إنْ نَوَى بِهِ الْقُنُوتَ عب. (قَوْلُهُ: لِمَا قَالُوهُ فِي الْقِرَاءَةِ) أَيْ: إنْ قَصَدَ بِهَا الرُّكْنَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْقُنُوتِ) أَيْ: ابْتِدَاءً مَا إذَا شَرَعَ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إنْ أَبْدَلَهُ بِمَا وَرَدَ وَكَانَ شَرَعَ فِي قُنُوتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عُمَرَ ثُمَّ قَطَعَهُ وَعَدَلَ إلَى الْآخَرِ وَأَتَى بِهِ وَلَوْ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَدَلَ إلَى آيَةٍ تَتَضَمَّنُ ثَنَاءً وَدُعَاءً أَوْ إلَى ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ غَيْرِ مَا وَرَدَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا وَارِدَيْنِ صَارَا بِمَنْزِلَةِ الْقُنُوتِ الْوَاحِدِ وَالْقُنُوتُ الْوَاحِدُ يُسْجَدُ لِتَرْكِ بَعْضِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوَارِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِخُصُوصِهِ كَانَ قُنُوتًا مُسْتَقِلًّا فَأَسْقَطَ الْعُدُولُ إلَيْهِ حُكْمَ الْقُنُوتِ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ وَقَطَعَهُ.
هَكَذَا فَرَّقَ ع ش وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي السُّجُودَ عِنْدَ تَرْكِ أَحَدِ الْوَارِدَيْنِ إذَا فَعَلَ الْآخَرَ بِتَمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْقُنُوتِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَحَلَّ تَنْزِيلِهِمَا مَنْزِلَتَهُ إذَا تَعَرَّضَ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْرَضَ عَنْهُمَا مَعًا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا ابْتِدَاءً وَأَتَى بِالْآخَرِ تَامًّا أَوْ كَمَّلَهُ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ فَإِنَّهُ لَا تَنْزِيلَ حِينَئِذٍ فَلَا سُجُودَ. اهـ. شَيْخُنَا ذ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: بِزِيَادَةِ وَلَا يَعِزُّ إلَخْ) قَالَ الْبِشْبِيشِيُّ وَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ يُقَالُ الْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ) هُوَ كَذَلِكَ فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ لِلْعَامِدِ الْعَالِمِ وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ الْحِفْنِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مَحَلَّ اغْتِفَارِ التَّطْوِيلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحَلَّاتِ الَّتِي طُلِبَ تَطْوِيلُهَا بِالْفِعْلِ وَهُوَ اعْتِدَالُ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ وَآخِرِ وِتْرِ رَمَضَانَ وَاعْتِدَالُ آخِرِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي النَّازِلَةِ فَقَطْ وَاعْتِدَالُ وَجُلُوسُ التَّسَابِيحِ فَيُغْتَفَرُ تَطْوِيلُهَا حَيْثُ كَانَ بِخُصُوصِ مَا طُلِبَ وَهُوَ الْقُنُوتُ بِأَيِّ صِيغَةٍ وَإِنْ لَمْ تَرِدْ وَالتَّسْبِيحَاتُ الْعَشْرُ فَإِنْ طَوَّلَهَا بِمَا لَمْ يُطْلَبْ كَسُكُوتٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ غَيْرِ ذِكْرِهَا أَوْ بِزِيَادَةٍ عَلَى التَّسْبِيحَاتِ الْعَشْرِ ضَرَّ حَيْثُ بَلَغَ ذَلِكَ التَّطْوِيلُ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ زِيَادَةً عَلَى ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ وَقَدْرَ التَّشَهُّدِ زِيَادَةً عَلَى ذِكْرِ الْجُلُوسِ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِهِمَا الْمَشْرُوعُ بِحَسَبِ الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَالْمُنْفَرِدُ وَإِمَامُ الْمَحْصُورِينَ الرَّاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا وَغَيْرُهُمَا يُعْتَبَرُ حَالُهُ فَقَطْ لَا الْمَشْرُوعُ فِي ذَاتِهِ حَتَّى يَكُونَ إمَامُ غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ كَغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ اهـ. جُمِلَ مُلَخَّصًا. اهـ. شَيْخُنَا ذ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا مَعَ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْإِطَالَةَ الْمَكْرُوهَةَ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِمَامِ الْمَحْصُورِينَ هِيَ الْإِطَالَةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ وَالْقَنُوتَيْنِ بِأَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الْفَاتِحَةِ وَبِالنِّسْبَةِ لِإِمَامِ غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ هِيَ الْإِطَالَةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ التَّحْقِيقِ وَأَحَدِ الْقَنُوتَيْنِ بِأَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الْفَاتِحَةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: عَمْدًا) خَرَجَ مَا إذَا طَالَ سَهْوًا أَوْ بِسَبَبِ النَّوْمِ حَجَرٌ وسم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute