أَنَّهُ سَلَمٌ وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ (وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ) غَيْرِ دَيْنِ السَّلَمِ (عَلَى عَيْنٍ صَحَّ فَإِنْ تَوَافَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا) كَالصُّلْحِ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ (اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ) حَذَرًا مِنْ الرِّبَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقْ الْمُصَالَحُ مِنْهُ الدَّيْنُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَالصُّلْحِ عَنْ فِضَّةٍ بِحِنْطَةٍ أَوْ ثَوْبٍ (فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ. وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الْعَقْدُ) أَيْ صُلْحًا صَرِيحًا عَلَى الْمَرْجُوحِ. قَوْلُهُ: (مِنْ عَيْنٍ) أَيْ غَيْرِ نَقْدٍ. قَوْلُهُ: (فَظَاهِرٌ أَنَّهُ بَيْعٌ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ النَّقْدُ، وَهُوَ هُنَا فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَ مُسَلَّمًا فِيهِ لِعَدَمِ لَفْظِ السَّلَمِ، فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ السَّلَمِ فِي النُّقُودِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (مَوْصُوفٌ) نَعْتٌ لِعَبْدٍ وَثَوْبٍ وَسَكَتَ عَنْ مِثْلِهِ فِي النَّقْدِ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ لِذِكْرِ كَوْنِهِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، وَكَوْنُ مِثْلِ هَذَا مِنْ الْبَيْعِ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ السَّلَمِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَعَ لَفْظِ السَّلَمِ سَلَمٌ، وَمَعَ عَدَمِ لَفْظِهِ بَيْعٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (فَظَاهِرٌ أَنَّهُ سَلَمٌ) أَيْ إنْ ذُكِرَ لَفْظُ سَلَمٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ الشَّارِحُ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَلَيْسَ لَفْظُ الصُّلْحِ نَائِبًا عَنْهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: إذَا لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ السَّلَمِ فَهُوَ سَلَمٌ حُكْمًا وَسَيَأْتِي رَدُّهُ آنِفًا.
قَوْلُهُ: (وَسَكَتَ عَنْهُ الشَّيْخَانِ) أَيْ سَكَتَا عَنْ التَّصْرِيحِ بِتَصْوِيرِهِ، وَإِلَّا فَكَلَامُهُمَا شَامِلٌ لَهُ إذْ قَدْ يُرَادُ بِالْعَيْنِ فِي كَلَامِهِمَا مَا قَابَلَ الْمَنْفَعَةَ، وَمِمَّا يَدُلُّ لَهُ اقْتِصَارُهُمْ عَلَيْهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ، وَمَا قِيلَ: إنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَادًّا عَلَى الْإِسْنَوِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَأَمَّلْهُ. تَنْبِيهٌ يَقَعُ الصُّلْحُ جِعَالَةً كَصَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى رَدِّ عَبْدِي، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ صُلْحٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَا تَقَدَّمَ، وَيَقَعُ خُلْعًا كَأَنْ تُصَالِحَهُ مِنْ كَذَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً، قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا بُدَّ بَعْدَ عَقْدِ الصُّلْحِ مِنْ إنْشَاءِ عَقْدِ خُلْعٍ، كَأَنْ يَقُولَ: طَلَّقْتُكِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ خَالَعْتكِ عَلَيْهِ فَتَقْبَلُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا بُدَّ بَعْدَ عَقْدِ الصُّلْحِ مِنْ إنْشَاءِ عَقْدِ خُلْعٍ، كَأَنْ يَقُولَ طَلَّقْتُكِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ خَالَعْتكِ عَلَيْهِ فَتَقْبَلُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ خُلْعًا فَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ: بِطَلَّقْتُكِ عَلَيْهِ مَثَلًا عَقِبَ لَفْظِهَا بِالصُّلْحِ، وَيَقَعُ فَسْخًا وَسَيَأْتِي. قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَيَقَعُ وَقْفًا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَقَعُ إعَارَةً كَأَنْ يُصَالِحَ مِنْ الدَّارِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَنَةً، وَلَا يَصِحُّ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلَةُ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مِنْ الْمُقَرِّ بِهِ لَهُ تَبَعًا لِلْعَيْنِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيِّ. وَاعْتُرِضَ التَّصْوِيرُ الْمَذْكُورُ بِأَنَّ " مِنْ " دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَ " عَلَى " دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ، وَهُوَ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ، أَوْ بِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعِي بِهِ، لَا مِنْ الصُّلْحِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ الَّذِي هُوَ الْمُقْسَمُ فِي كَلَامِ الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ، وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ: بِأَنْ يُصَالِحَهُ مِنْ الدَّارِ عَلَى سُكْنَى حَانُوتِهِ مَثَلًا شَهْرًا وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ مِنْ حَيْثُ التَّصْوِيرُ، فَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَ لَهَا مُقَابِلٌ، وَفِي قَوْلِهِمْ مُقَابَلَةُ مِلْكِهِ بِمِلْكِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِالصُّلْحِ تَصِيرُ الْعَيْنُ بِمَنْفَعَتِهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مِنْهَا السُّكْنَى، أَوْ رَجَعَ فِيهَا فَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ فِيهِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ، وَجَوَابُ بَعْضِهِمْ عَنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي هَذِهِ مَعَ الصِّحَّةِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ، بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَمَّا كَانَتْ جِنْسًا آخَرَ مَعَ الْعَيْنِ ظَهَرَتْ فِيهَا الْمُقَابَلَةُ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِعَارَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مُقَابَلَةٌ فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ دَيْنِ السَّلَمِ) لَوْ قَالَ غَيْرِ الْمُثَمَّنِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمَبِيعَ فِي الذِّمَّةِ نَعَمْ، لَوْ صَالَحَ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِرَأْسِ مَالِ الْمُسْلَمِ صَحَّ، وَكَانَ فَسْخًا لِعَقْدِهِ. قَوْلُهُ: (قَبْضُ الْعِوَضِ) أَيْ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ لَا الْمُصَالَحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ وَلَا قَبْضُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْعِوَضَيْنِ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعَيْنِ الَّتِي هِيَ الْمُقْسَمُ لِيَصِحَّ تَقْسِيمُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ إلَى عَيْنٍ وَدَيْنٍ، فَهُوَ جَوَابٌ عَنْهُ بِجَعْلِ ضَمِيرِ " يَتَوَافَقُ " رَاجِعًا لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ دَيْنًا وَالْمُصَالَحِ عَلَيْهِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عَيْنًا، وَالْأَوْلَى مَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنْ يُرَادَ بِالْعَيْنِ مَا قَابَلَ الْمَنْفَعَةَ فَيَصِحُّ التَّقْسِيمُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ سَلَمًا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَهُوَ يَرُدُّ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا م ر، مِنْ أَنَّهُ سَلَمٌ حُكْمًا فَلَيْسَ لَفْظُ الصُّلْحِ نَائِبًا عَنْ
[حاشية عميرة]
صَحَّ، ثُمَّ مَأْخَذُ الْخِلَافِ النَّظَرُ إلَى الْمَعْنَى أَوْ اللَّفْظِ. قَوْلُهُ: (يُمْنَعُ ذَلِكَ) أَيْ وَيَقُولُ هُوَ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ مَثَلًا فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَظَاهِرٌ أَنَّهُ سَلَمٌ) أَيْ سَوَاءٌ صَرَّحَ فِيهِ بِلَفْظِ السَّلَمِ، أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ الصُّلْحِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى عَيْنٍ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَأَنَّهَا تَصَحَّفَتْ عَنْ غَيْرٍ، فَإِنَّهُ الصَّوَابُ بِدَلِيلِ التَّقْسِيمِ الْآتِي إلَى عَيْنٍ وَدَيْنٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (صَحَّ) أَيْ سَوَاءٌ عَقَدَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ أَوْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَا رِبَوِيَّيْنِ) كَأَنَّهُ زَادَهُ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ، وَإِلَّا فَالْمُقْسِمُ عَدَمُ الرِّبَوِيَّةِ وَهُوَ لَا يَشْمَلُهُ. قَوْلُهُ: (قَبَضَهُ) الضَّمِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute