للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الأمرُ -وهو: اعتبارُ وجودِ الشُّروطِ وانتِفَاءِ الموانِعِ- ليس خاصًّا بمسألةِ التَّكْفِيرِ بل هو عامٌّ، فكلُّ الأشياء لا تَتِمُّ إلا بوجود شُروطِهَا وانتفاءِ موانِعِهَا.

لكن إذا ادَّعَى أحدُ الجهال ومثلُه لا يَجْهَلُه هل يُقْبَلُ لو قال: أنا لا أعَلَمُ أن هذا واجبٌ، لو علمتُ أنه واجبٌ ما جَحَدْتُهُ؟ نقول: الحمدُ للَّه، إذا قلت هذا فأنت الآن تائبٌ وقد أَقْرَرَتْ بِهِ.

لكن لو جحَدَهُ رَأْسًا قبلَ أن نُطَالِبَهُ فإذا كان مثْلُهُ لا يجْهَلُه فهو كافِرٌ، كما لو جَحَدَ تحريمَ الزِّنَا وهو ناشِئٌ في بلادٍ إسلامِيَّةٍ محافظة تُحَرِّمُ الزِّنَا، وقال إن الزنا حلالٌ؛ هذا لا يُعْذَرُ، لكن لو نشأ في بلادٍ إسلامية متَهَتِّكَةٍ فيها أسواقُ الزِّنا مفتوحة وجحَدَ تحريمَ الزِّنَا وهو لا يَدْرِي، نقول: ما دام أن هناك شبهة فإن الحدودَ تُدْرَأُ بالشُّبهاتِ، والإنسان المسلمُ هو مسْلِم ولا يمكن أن نُخْرِجَهُ من الإسلام إلا بَيَقِينٍ.

وكذلك لو نشَأ إنسانٌ في بلادٍ كُلِّها رِبِوَيِّةٍ تعمل البنوكُ فيها بالرِّبَا، وقال: أنا لا أدري أن الربا حرام، هذا كذلك لا نُخْرِجُه مِنَ الإسلام لأنه جاهل، وأيضًا الذين نَشَؤوا في بلاد ينْتَحِلُ عُلماؤُهَا مَذْهَبُ الأشاعِرَةِ، فهؤلاء لا يَدْرُون عن مذهب أهلِ السُّنَّةِ شيئًا يحسبون أن هذا هو الحق، حتى أن منهم من يؤلف ويقول: "إن مذهَبَ أهل السُّنةِ والجماعَةِ ينْحصرُ في مذهبِ الأشاعِرَةِ والماتُرِيدِيَّةِ"، لأنه جاهل، وهذه بَلِيَّةٌ عظيمة، وهذا سبب عُذْرِهِ مع أنه طالب علم أنه قد لا يكون هناك كُتُبٌ من كُتبِ أهلِ السُّنَّةِ قرأها، وهذا من جنس الذي عاش في بلاد كُفْرٍ وليس عندَهُ كُتُب من كُتبِ الإسلام، فالجهلُ واحِدٌ؛ لأنه قد لا يَطْرَأُ على بالهم إطلاقًا أن هناك مذهبًا ثالثًا غير هَذين المذهبين، ويَظُنُّ بعضُ العامة عندنا أنه لا يوجَدُ مَذْهَبٌ إلا مذهب الحنابلة.

<<  <   >  >>