ثم إنَّ الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أجْمَعُوا على قَتْلِ اللُّوطِيِّ الفاعلَ والمفعولَ بِهِ، إلا أنهم اختلفوا كيف يُقْتَلُ؟
فقال بعضهم: إنه يُحَرَّقُ بالنار، وقال بعضُهم: إنه يُرْجَم بالحجَارَةِ، وقال آخرون: يُلْقَى مِنْ أعْلى مكانٍ في البلَدِ.
والذي اختَارَهُ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ (١) أن يُقْتَلَ الفاعِلُ والمفعولُ به؛ للحَديثِ والآثارِ عَنِ الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وللمَعْنى والقياسِ الصَّحيحِ؛ لأن هذه الفاحِشَةَ والعياذُ باللَّه لا يُمكنُ التَّحَرُّزُ منها، فإذا لم يكن لها رَادعٌ قَوِيٌّ استَشْرَتْ في الناس -والعياذُ باللَّه-؛ ولأنها قَتْلٌ للرُّجُولَةِ، فإن الإنسان يكونُ بمنزلَةِ المرأةِ.
وأما كيفيةُ قتْلِهِ فالذي نرَى أن يُرجَع إلى رَأيِ الإمامِ فيُقْتَلُ بما يَراه أنْكى وأبْلغَ.
القول الثاني: أن حَدَّهُ كحَدِّ الزَّانِي، يعني: إن كان مُحْصَنًا رُجِمَ، وإن كان غير مُحَصن فإنه يجلَدُ ويُغَرَّبُ، وهذا القولُ هو المشهور من مذهبِ الإمامِ أحمدَ، وقالوا: إن الحديثَ لا تقومُ به حُجَّةٌ، بمعنى أنه لا يَصِلُ إلى دَرجَةٍ يُستَباحُ بها دَمُ المسلمِ، واللواطُ فاحِشَةٌ بنَصِّ القرآن، فيجب أن يلْحَقَ بالفاحِشَةِ التي نَصَّ القرآن على حدِّهَا وهي الزِّنَا، فعليه يكون طريقُه طَريقُ الزِّنَا، فيُرْجَم المُحْصَن ويُجلَد غيرُ المُحْصَن ويغرب.
لو قالَ قائلٌ: المذهبُ يأخُذونَ بآثارِ الصحابَةِ؛ لأن مِنْ أُصولِ أحمدَ العِلْمُ بقولِ الصَّحابِيِّ، فلماذا في هذه المسألة لم يأْخُذوا بالآثار التي ورَدَتْ عنِ الصحابة