وقيل: إِنَّ المَعْنَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، وَيَكُونُ هَذَا عَائِدًا عَلَى الْأَعْمَالِ، يعني جميع الأعمال مَردُودة، وغير مَقْبُولَةٍ إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، ويَسْتَدِلُّ هؤُلاءِ بقوله: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} أَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ الإنسان.
ثُمَّ قَالَ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الشرك هالِكٌ وفَانٍ فِي غَيْرِ فِعْلِ المرء، إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، الخالص له، فإنه يبقى للمرء.
وَكُلُّ مَا فِي يَدِ الإنسان هَالِكٌ لَا يُفِيدُه، مِثْل قَوْلِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" (١).
ولكننا نقول: إِنَّ المَعْنَى الْأَوَّلَ أَقْوَى، وَهُوَ أَنَّ المُرَادَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فانٍ وتَالِفٌ إِلَّا وَجْهَ اللَّه، وكالتَّعلِيل لقوله: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي: كَأَنَّهُ يَقُولُ: هَذِهِ الْأَصْنَامُ المعبودة مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا تَبْقَى، واللَّه تعالى هُوَ الَّذِي يَبْقَى، فَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ.
قَوْلُه تعالى: {لَهُ الْحُكْمُ} هَذِهِ الجمْلَةُ مُكَوَّنَة مِن مُبْتَدَأ وَخَبَر، الخَبَرُ {لَهُ} مُقَدَّم، و {الْحُكْمُ} مبتدأٌ مؤخَّر، وتقديمُ ما حَقُّه التأخيرُ يُفيد الحصرَ، والمعنى: لَهُ وَحْدَهُ الحُكم.
يقول المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَهُ الْحُكْمُ} القَضَاءُ النَّافِذُ]، وفَسَّرَ بالحُكم الكَوْني، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَشْمَل الحُكم الكوني والشرعي، وله القضاءُ النافِذ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وله أيضًا الْفَصْلُ بَيْنَ الْخَلْقِ بالأحكام الشرعية.
(١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب النجش ومن قال: لا يجوز ذلك البيع. ومسلم كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، رقم (١٧١٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute