للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} هَذِهِ الجمْلَةُ كالتَّعلِيل للنفي السابق، أي: فإنه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.

إِذن: هَذَا النفيُ نفيٌ للحَقِّ؛ لأنه هو المعبود الحقُّ، فإنه لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وحينئذ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ مَا سَبَقَهَا مُنافَاة؛ إِذْ إِنَّ مَا سَبَقَهَا يُثبِت إلهًا مَعَ اللَّهِ، لكن نَهَى أَنْ تدعو هذا الإله، والثاني يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فينفي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إله، وَالجمْعُ بَيْنَهُمَا أَنْ يُقَالَ: الإله الْحَقُّ الَّذِي عُبِد، وهو يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ هو اللَّهُ وحده.

وأَمَّا الإلهُ الْبَاطِلُ الَّذِي عُبد، وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، فإذا ثابت لِغَيْرِ اللَّهِ، وَهَذَا هُوَ الصحِيحُ فِي النَّفْي، مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نفيًا بِمَعْنَى النَّهْي، أي: لَا تَعْبُدْ إِلَّا اللَّهَ.

والنفيُ بِمَعْنَى النَّهْي وَارِدٌ في الْقُرْآنِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢].

قَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: لَا رَيْبَ فِيهِ، أي: لَا تَرْتَابُوا فيه. فيجعلون النفيَ مكانَ النهي، ولكن الْأَوْلَى أَنْ يبقى النَّفْيُ عَلَى ظَاهِرِ، وَأَنْ يُجْعَلَ نفيًا حقيقةً، ويكون النفيُ أَبْلَغَ مِنَ النَّهْي؛ لأن النَّفْيَ إِثْبَاتُ صِفة، وأما النهيُ، فَقَدْ يَحْصُل الِامْتِثَالُ لَهُ، وَقَدْ لَا يحصُلُ.

وعليه نَقُولُ: إن هَذَا النَّفْيَ لَا يَتَعَارَضُ مَعَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ باعتبار أَنَّهُ إِلَهٌ باطِل، والثاني باعتبار أَنَّهُ إِلَهٌ حَقٌّ، فَلَا إلهَ حَقٌّ إِلَّا اللَّهُ.

قوله تعالى: {إِلَّا هُوَ} هو ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ هُوَ اسمًا مُستقلًّا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، خلافًا للصُّوفية المبتدعة الضالَّة، فإنهم يجعلون (هُوَ) مِنْ

<<  <   >  >>