للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا نَدْرِي هل عاصر قارونُ فِرْعَونَ أَمْ كَانَ هَذَا بَعْدَ هلاكه؟ وَلَا يُوجَدُ مَا يَمْنَعُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَفَرَ، واتصلَ بفِرْعَونَ، وصارت عنده الأموال العظيمة.

قَوْلُه تعالى: {وَأَحْسِنْ} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَأَحْسِنْ} لِلنَّاسِ بِالصَّدَقَةِ]، هنا المُفَسِّر خَصَّ الإحسانَ، قال: أَحْسِن للناسِ بالصَّدَقة، ولكن الصَّحِيحُ أَنَّ المُرَادَ مَا هُوَ أعمُّ، أي: أَحْسَنُ فِي عِبَادَةِ اللَّه، وفي معاملة عِبَادِ اللَّهِ.

قَوْلُه تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} الكافُ هنا للتَّعلِيل، وليست للتَّشبِيه؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لإنسان أَنْ يُحْسِنَ مِثْلَ مَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِ، فإحسان اللَّهِ إِلَيْهِ أكملُ وأعظمُ، وَقَدْ جَاءَتِ الكاف للتَّعلِيل فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: ١٩٨]، أي: واذكروه لهدايتكم، وَمِثْلَ قَوْلِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (١)، فإن الكافَ هنا للتَّعلِيل، وليست للتَّشبِيه.

وَهَذَا المَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ نَسْلَمُ بِهِ مِنَ الإيراد الذي أورده بَعْضُ النَّاسِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَنَّهُ مِن الْعَادَةِ أَنَّ المُشَبَّهَ أقلُّ شأنًا ورُتبةً مِن المُشَبَّهِ به، وَمُحَمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ أَقَلَّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، فكيف قيل: "صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ".

مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أجاب فقال: إِنَّ التَّشبِيه لِلصَّلَاةِ عَلَى وَاحِدٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى جَمَاعَةٍ: إبراهيمَ وآلِه، وَهَذَا يَصِحُّ أَنْ يُعْطَى مُحَمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْلَ مَا أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ، وَلَكِنْ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ المَعْنَى: أنك يا ربي كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَإِنَّ هَذَا مِن شأنك، ومِن عادتك التكرُّم، فامنُن أَيْضًا


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، بابٌ، رقم (٣٣٧٠)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد التشهد، رقم (٤٠٦).

<<  <   >  >>