كالحُرَّاس، وآخَرُ لَهْوُه بالليل، كأصحاب البَطَالة الذين ينامون النهار، ويسهرون الليل، ولكن وجود المعلول إِذَا كَانَتِ العلة غائيةً، فلَا يَلْزَمُ مِنْهُ وجودُ العلةِ، كَمَا لَوْ قُلْتُ: قدَّمْتُ لك هذه البعير لتركب عليه، فقَدْ تركب، وَقَدْ لَا تركب، أو أعطيتُك القَلمَ لِتكتبَ به، فربما تكتب، وربما لَا تَكْتُبُ.
وقوله تعالى: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} أي: فِي اللَّيْلِ، يعني: تستريحون، {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} تبتغوا، أي: تطلُبون، وقوله: {مِنْ فَضْلِهِ} أي: مِن عطائه ورزقِه.
وَفِي الآيَةِ هنا ترتيب ولَفٌّ ونَشْرٌ مُرَتَّب، فقد بدأ بالليل، وقَدَّمَ منفعته السكون، وَهَذَا فِي اللَّيْلِ فِيهِ لَفٌّ ونَشْرٌ مُرَتَّب.
قَوْلُه تعالى: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: (لَعَلَّ) هَذِهِ للتَّعلِيل، أَوْ لِأَجْلِ أَنْ تشكُروا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى نِعْمَتِهِ، فهنا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العِلَّتيْن: الشرعية والقدَرية، أمَّا القدَرية، فَهِيَ فِي قَوْلِهِ: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}، والعِلَّة الشَّرْعِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، أي: تشكرون اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ تعاقُب اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تَتبَيَّن بِضدِّها، وَلَوْ كَانَ اللَّيْلُ سَرْمَدًا، والنهار سَرْمَدًا، ما استراح أحدٌ بِلَيْلٍ، ولا ابتغى الفضل بالنهار، ولكنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الراحة، مَعَ أَنَّ هُنَاكَ فوائدَ أُخْرَى غَيْرَ ذَلِكَ ذَكَرَهَا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ، قَالَ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: ٦٢]، وَفِي الحَدِيثِ الصَّحِيح: "إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، وَبِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ" (١).
(١) أخرجه مسلم: كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، رقم (٢٧٥٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute