مثال للتقريب: المطر هو خير، لكنه شر للمسافر ولذلك يقول الله (يريكم البرق خوفاً وطمعاً) ، من جملة ما قيل في تفسيرها: خوفاً للمسافر لأنه إذا نزل أتعبه ويخشى من السيول، وطمعاً للمقيم فبمجرد أن يرى البرق يطمع في نزول المطر، ... فلو قدر أن مطراً نزل وسالت وديان وجرف بعض المسافرين وأغرقتهم فهو شر بالنسبة للمسافر، وهو شر جزئي، لكنه ترتب عليه خير عام حيث فرح الناس بنزول المطر وحي العالم بنزوله.
مثال آخر: قطع يد السارق، شر في حق السارق، لكن هو خير عام للمجتمع، حافظنا على أموال الناس، منعنا أنفسنا سخط الله، فإنه إذا انتشرت المعاصي ولم يؤخذ على يد العاصي نُزعت البركة، والله يعاقبنا بعقوبة عاجلة تعم.
إذن لا تقضي شراً محضاً لا تقدره لا تشاؤه، إذا قدرت شراً فلحكم نتج عنه، وهذا المعنى هو محل الشاهد في بحثنا.
المعنى الثاني: أي لا يُتقرب بالشر إليك، وهذا قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شُميل والأزهري وهؤلاء كلهم من علماء اللغة، ونُقِل عن إسحاق بن راهُوْيَهْ وابن معين وابن خزيمة وهم من أئمة الحديث الشريف.
المعنى الثالث: أي لا يضاف إليك الشر على انفراده فلا يُقال يا خالق الكلاب والخنازير ولا يُقال: يا رب إبليس، قاله الإمام المزني، مع أنه خالق الكلاب والخنازير ورب إبليس لكنه يشعر بذم ويوهم بنقص بل تقول يا رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، أو تقول يا رب النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهذا فيه مدح لأنك تضيف ربوبية الله جل وعلا إلى مخلوق فاضل.
... وأما أن تقول يا رب الطلاب والخنازير وإبليس فرج كربي، فهذا في الحقيقة سوء أدب في مناجاة الله مع أنه ربهم، ولذلك قال أئمتنا: الشر لا يضاف إلى الله على انفراده، وذلك لأنه لم يخلقه لأنه شر، بل خلقه لما يوصل من حكمة وخير.