وهذا لم يكن في الجنة، بل كان بعد أن أهبط (١) آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلى الأرض، وهذا الذي وقع في عالم الذر هذا من الإيمان بالغيب نؤمن به ولا نبحث في حقيقته.
وقد حاول الإمام ابن كثير أن يحكم على هذا الأثر بالوقف لأن الرواة اختلفوا فيه فمنهم من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من وقفه على ابن عباس وهي محاولة غير مرضية لأن مثل هذا لا يقدح في المرفوع فمن حفظ حجة على من لم يحفظ، وزيادة الثقة مقبولة، فإذا رفع راوٍ ثقة الحديث، ووقفه راوٍ آخر فيحكم بالزيادة وبرفع الحديث؛ لأن معه زيادة علم، فلعل ذاك شك فوقف الحديث على ابن عباس، وهذا تأكد وتحقق بأنه مرفوع وأنه سمعه من شيوخه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فصرح برفعه.
على أننا لو سلمنا أن هذا الأثر موقوف فله حكم الرفع قطعاً وجزماً لأن مثله لا يقال من قبل الرأي ولا الاجتهاد ولا الاستنباط.
(١) هل كان إهباط آدم وإنزاله في عرفات أو في الهند؟ أقوال قيلت في ذلك لا دليل علي شيء منها أنه ثبت صحيح أن نزوله كان في مكان كذا، لكن أخذ على ذريته الميثاق في ذلك المكان، وهذا فيما يظهر والعلم عند الله أنه يرجح أن نزوله كان من الجنة إلى هذه البقعة المباركة الطاهرة (عرفات) ولا مانع أن يكون نزوله في أرض الهند ثم أتى به إلى هذا المكان واستخرج الله من صلبه وظهره كل ذرية ستكون إلى يوم القيامة ثم كلمهم قبلاً.