للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا نَفَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ (وَرَغَّبَهُمْ بِهَا قَالُوا: مَاذَا نُنْفِقُ؟ وَعَلَى مَنْ نُنْفِقُ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) ١.

قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حيان٢ في قوله: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} قَالَ: هِيَ النَّفَقَةُ فِي التَّطَوُّعِ، فَكَانَ الرَّجُلُ يُمْسِكُ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيهِ سَنَةً وَيَتَصَدَّقُ بِسَائِرِهِ، وإن كان ممن يعمل بيديه أَمْسَكَ مَا يَكْفِيهِ يَوْمًا وَيَتَصَدَّقُ بِسَائِرِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَقْلِ وَالزَّرْعِ أَمْسَكَ مَا يَكْفِيهِ سنة وتصدق (بِسَائِرِهِ) ٣ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَنَسَخَتْهَا آيَةُ الزَّكَاةِ.

قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، مَعْنَى قَوْلِهِ: اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَيْ: صَعُبَ ما ألزموا نفوسهم به، فإن قلنا إن هَذِهِ النَّفَقَةُ نَافِلَةٌ أَوْ هِيَ الزكاة فَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا نَفَقَةٌ فُرِضَتْ قَبْلَ الزَّكَاةِ فَهِيَ منسوخة بآية الزكاة والأظهر أنها في الإنفاق في المندوب إليه٤.


١ غير واضحة من (هـ). أخرج نحو هذا المعنى ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط ١/ ١٥٣ إلى ١٥٤، عن ابن عباس، ومن طريق أبان عن يحيى فيما بلغه عن معاذ وثعلبة.
٢ مقاتل بن حيان النبطي بفتح النون والموحدة أبو بسطام الملخي الخزاز بزائين منقوطتين صدوق فاضل أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعاً كذبه، وإنما كذب الذي بعده، وهو من السادسة مات قبل ١٥٠هـ بأرص الهند. انظر. التقريب ٣٤٦.
٣ في (هـ): وبسائره.
٤ ذكر المؤلف في زاد المسير١/ ٢١٩، خمسة أقوال في معنى العفو:
أحدها: أنه ما يفضل عن حاجة المرء وعياله، رواه مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله
والثاني: ما تطيب به أنفسهم من قليل أوكثير، رَوَاهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.
والثالث: أنه الصدقة بين الإسراف والاقتار، قاله الحسن وعطاء وسعيد بن جبير.
والرابع: أنه الصدقة المفروضة قاله مجاهد.
والخامس: أنه ما لا يتبين عليهم مقداره من قولهم: عفى الأثر، إذا أخفى ودرس، حكاه شيخنا عن طائفة من المفسرين. انتهى كلام المؤلف.
لكنه لم يرجح هناك رأياً في النسخ في هذه الآية، ومال إلى الإحكام في مختصر عمدة الراسخ الورقة الرابعة، وقد أورد معظم كتب النسخ دعوى النسخ في هذه الآية، واختار الإمام الطبري في جامع البيان ٢/ ٢١٥، والإمام أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ص: ٥٤ - ٥٥ إحكام هذه الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>