﵊ كَانَتْ لَهُ جُبَّةُ فَنْكٍ أَوْ صُوفٍ يَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ (وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ) إغْنَاءً لِلْفَقِيرِ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ لِلصَّلَاةِ (وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى، وَلَا يُكَبِّرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى، وَعِنْدَهُمَا يُكَبِّرُ) اعْتِبَارًا بِالْأَضْحَى. وَلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ تَكْبِيرٍ، وَلَا كَذَلِكَ يَوْمَ الْفِطْرِ
خُطُوطٌ حُمْرٌ وَخُضْرٌ لَا أَنَّهُ أَحْمَرُ بَحْتٌ، فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْبُرْدَةِ أَحَدَهُمَا (قَوْلُهُ: وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى) وَالسُّنَّةُ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الْجَبَّانَةِ وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُصَلِّي بِالضُّعَفَاءِ فِي الْمِصْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي مَوْضِعَيْنِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ لَهُ ذَلِكَ وَتَخْرُجُ الْعَجَائِزُ لِلْعِيدِ لَا الشَّوَابُّ، وَلَا يُخْرَجُ الْمِنْبَرُ إلَى الْجَبَّانَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بِنَاءِ الْمِنْبَرِ بِالْجَبَّانَةِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ، وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهُ: حَسَنٌ فِي زَمَانِنَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِهِ. (قَوْلُهُ: لَا يُكَبِّرُ إلَخْ) الْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْفِطْرِ لَا فِي أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَعِنْدَهُمَا يَجْهَرُ بِهِ كَالْأَضْحَى، وَعِنْدَهُ لَا يَجْهَرُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إذْ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ بَلْ مِنْ إيقَاعِهِ عَلَى وَجْهِ الْبِدْعَةِ.
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بِدْعَةٌ يُخَالِفُ الْأَمْرُ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ فَيَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَالْأَوْلَى لِلِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ لِمَا سَنَذْكُرُ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى». فَالْجَوَابُ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ فِيهَا التَّكْبِيرُ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ أَمْرًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ أَعَمُّ مِنْهُ، وَمِمَّا فِي الطَّرِيقِ؛ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى التَّكْبِيرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَمَّا كَانَ دَلَالَتُهَا عَلَيْهِ ظَنِّيَّةً؛ لِاحْتِمَالِ التَّعْظِيمِ كَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ.
وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ بِمُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ أَبِي الطَّاهِرِ الْمَقْدِسِيَّ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهِ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَكَذَا رَوَى الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَهْرَ. نَعَمْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ نَافِعٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى ثُمَّ يُكَبِّرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُ صَحَابِيٍّ لَا يُعَارَضُ بِهِ عُمُومُ الْآيَةِ الْقَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ: أَعْنِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿وَدُونَ الْجَهْرِ﴾ وَقَالَ ﷺ «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» فَكَيْفَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ آخَرَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ سَمِعَ النَّاسَ يُكَبِّرُونَ فَقَالَ لِقَائِدِهِ: أَكَبَّرَ الْإِمَامُ؟ قِيلَ لَا، قَالَ: أَجُنَّ النَّاسُ؟ أَدْرَكْنَا مِثْلَ هَذَا الْيَوْمَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَمَا كَانَ أَحَدٌ يُكَبِّرُ قَبْلَ الْإِمَامِ» وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ عَنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغَبَاتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute