إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَصِحُّ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا يَصِحُّ، وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ. وَأَمَّا لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ النُّصُوصَ نَطَقَتْ بِاشْتِرَاطِهَا إذْ الْأَمْرُ فِيهَا بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ تَوْحِيدٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ كَقَوْلِهِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَذِبِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَشَدَّ.
وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ، وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا
إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا) وَيَكُونُ الْقَاضِي عَاصِيًا.
(وَأَمَّا) اشْتِرَاطُ (لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ النُّصُوصَ نَطَقَتْ بِاشْتِرَاطِهَا إذْ الْأَمْرُ فِيهَا) أَيْ فِي النُّصُوصِ (بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ) قَالَ تَعَالَى ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ …
...
﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾ وَقَالَ ﵊ «إذَا رَأَيْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ». وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ النُّصُوصَ وَرَدَتْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: غَايَاتُهَا وَرَدَتْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ لَفْظَ الشَّهَادَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ وَلَمْ يُرِدْ مِنْ السُّنَّةِ فِي تَكْبِيرِ الِافْتِتَاحِ إلَّا بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ كَقَوْلِهِ ﷺ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» وَلَمْ يُشْتَرَطْ لِذَلِكَ لَفْظُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَمِنْ أَيْنَ لَزِمَ فِي الشَّهَادَةِ؟ قُلْنَا: لِفَرْقٍ مَعْنَوِيٍّ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ أَقْوَى فِي إفَادَةِ تَأْكِيدِ مُتَعَلِّقِهَا مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ كَأَعْلَم وَأَتَيَقَّنُ لِمَا فِيهَا مِنْ اقْتِضَاءِ مَعْنَى الْمُشَاهَدَةِ وَالْمُعَايَنَةِ الَّتِي مَرْجِعُهَا الْحِسُّ وَلِأَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْحَلِفِ فَالِامْتِنَاعُ مَعَ ذِكْرِهَا عَنْ الْكَذِبِ أَظْهَرُ.
وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾ وَقَوْلُهُ ﵊ «إذَا رَأَيْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ» فَلَزِمَ لِذَلِكَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ التَّعْظِيمُ، وَلَيْسَ لَفْظُ أَكْبَرَ أَبْلَغَ مِنْ أَجَلَّ وَأَعْظَمَ فَكَانَتْ الْأَلْفَاظُ سَوَاءً، فَلَمْ تَثْبُتْ خُصُوصِيَّةٌ تُوجِبُ تَعْيِينَ لَفْظِ أَكْبَرَ. وَقَوْلُهُ (فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِي الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعِ كُلِّهَا تُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ، وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ وَغَيْرِهَا.
وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute