هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ (وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ﴿فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى﴾ مَكَانَ ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا﴾ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ غَيَّرَ فَإِنْ وَقَفَ وَقْفًا تَامًّا بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَرَأَ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ وَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ ﴿أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾.
وَإِنْ وَصَلَ تَفْسُدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَحِينَئِذٍ هَذَا مُقَيَّدٌ لِمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ اللَّهُ لَهُ بِالنَّارِ أَوْ بِالْقَلْبِ تَفْسُدُ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الْمُتَوَارَثُ) يَعْنِي أَنَّا أَخَذْنَا عَمَّنْ يَلِينَا الصَّلَاةَ هَكَذَا فِعْلًا وَهُمْ عَمَّنْ يَلِيهِمْ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا إلَى الصَّحَابَةِ ﵃ وَهُمْ بِالضَّرُورَةِ أَخَذُوهُ عَنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنْقَلَ فِيهِ نَصٌّ مُعَيَّنٌ، هَذَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ يَتَضَمَّنُ مِنْ الْبَدِيعِ النَّوْعَ الْمُسَمَّى بِحُسْنِ التَّعْلِيلِ كَمَا قِيلَ:
فَدَتْك نُفُوسُ الْحَاسِدِينَ فَإِنَّهَا … مُعَذَّبَةٌ فِي حَضْرَةٍ وَمَغِيبِ
وَفِي تَعَبِ مَنْ يَحْسُدُ الشَّمْسَ ضَوْءَهَا … وَيَجْهَدُ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِضَرِيبِ
فَإِنَّ قَوْلَهُ جَهَرَ تَتَوَجَّهُ النَّفْسُ إلَى طَلَبِ عِلَّتِهِ مِنْ أَنَّهُ أَيُّ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَسْمَعُهُ فَقَالَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ لِإِفَادَتِهِ، وَذَلِكَ قَدْ يَخْفَى صَرَّحَ بِالتَّعْلِيلِ بِأَدَاتِهِ بِلَازِمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ حُسْنِ التَّعْلِيلِ، وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي تَعْرِيفِ الْجَهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ إسْمَاعُ الْغَيْرِ لَيْسَ بِجَهْرٍ، أَوْ أَنَّ كَوْنَ هَذَا جَهْرًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الرِّوَايَاتِ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ إرَادَةَ هَذَا الْمَفْهُومِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي النِّهَايَةِ، أَوْ أَنَّ إرَادَتَهُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا عَلَى الْمُخْتَارِ وَالتَّعْرِيفُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ. وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا اعْتَبَرَ هَذَا الْمَفْهُومَ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدَهُ: وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute