للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُمَا أَنَّ الرُّكُوعَ هُوَ الِانْحِنَاءُ وَالسُّجُودَ هُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً، فَتَتَعَلَّق الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى فِيهِمَا، وَكَذَا فِي الِانْتِقَالِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ.

وَفِي آخِرِ مَا رُوِيَ تَسْمِيَتُهُ إيَّاهُ صَلَاةً حَيْثُ قَالَ: وَمَا نَقَصْت مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ نَقَصْت مِنْ صَلَاتِك، ثُمَّ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ

تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا حَتَّى تَقْضِيَهَا» وَاسْمُ الْأَعْرَابِيِّ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّكُوعَ) يَعْنِي الرُّكُوعَ هُوَ الْمَطْلُوبُ بِالنَّصِّ جُزْءًا لِلصَّلَاةِ، وَكَذَا السُّجُودُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾.

وَلَا إجْمَالَ فِيهِمَا لِيَفْتَقِرَ إلَى الْبَيَانِ، وَمُسَمَّاهُمَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الِانْحِنَاءِ وَوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ مِمَّا لَا يُعَدُّ سُخْرِيَةً مَعَ الِاسْتِقْبَالِ فَخَرَجَ الذَّقَنُ وَالْخَدُّ، وَالطُّمَأْنِينَةُ دَوَامٌ عَلَى الْفِعْلِ لَا نَفْسُهُ فَهُوَ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ بِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَتَوَقَّفَ الصِّحَّةُ عَلَيْهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا كَانَ نَسْخًا لِإِطْلَاقِ الْقَاطِعِ بِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ يُفِيدُ عَدَمَ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ «وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ».

أَخْرَجَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتُهُ، فَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ فِيهِ «فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ، وَإِنْ انْتَقَصْتَ شَيْئًا انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ تَسْمِيَتُهَا صَلَاةً وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ صَلَاةً، وَعَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ وَصَفَهَا بِالنَّقْصِ، وَالْبَاطِلَةُ إنَّمَا تُوصَفُ بِالِانْعِدَامِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِعَادَتِهَا لِيُوقِعَهَا عَلَى غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَا لِلْفَسَادِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَرْكَهُ إيَّاهُ بَعْدَ أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى أَتَمَّ، وَلَوْ كَانَ عَدَمُهَا مُفْسِدًا لَفَسَدَتْ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ، وَبَعْدَ الْفَسَادِ لَا يَحِلُّ الْمُضِيُّ فِي الصَّلَاةِ، وَتَقْرِيرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ وَجَبَ حَمْلُ قَوْلِهِ «فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» عَلَى الصَّلَاةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْإِثْمِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ، أَوْ الْمَسْنُونَةِ عَلَى قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَجَازَ فِي قَوْلِهِ لَمْ تُصَلِّ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ، وَلِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ.

وَقَدْ سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ تَرْكِهَا فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ.

وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ: مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: تَلْزَمُهُ وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِي، وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ، وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>