لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ وُجِدَ مِنْهُ فَتَمَّتْ السَّرِقَةُ بِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْكُلِّ مَعْنًى لِلْمُعَاوَنَةِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ يَحْمِلَ الْبَعْضُ الْمَتَاعَ وَيَتَشَمَّرَ الْبَاقُونَ لِلدَّفْعِ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْقَطْعُ لَأَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ. .
قَالَ (وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فِيهِ، كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ فَأَخْرَجَ الْغِطْرِيفِيَّ. وَلَنَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ وَالْكَمَالِ فِي الدُّخُولِ، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ وَالدُّخُولُ هُوَ الْمُعْتَادُ. بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ إدْخَالُ الْيَدِ دُونَ الدُّخُولِ، وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْبَعْضِ الْمَتَاعَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَادُ. قَالَ (وَإِنْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ
لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ وَإِنْ قَامَ بِهِ وَحْدَهُ لَكِنَّهُ فِي الْمَعْنَى مِنْ الْكُلِّ لِتَعَاوُنِهِمْ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى) وَإِذَا بَاشَرَ بَعْضُهُمْ الْقَتْلَ وَالْأَخْذَ وَالْبَاقُونَ وُقُوفٌ يَجِبُ حَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى الْكُلِّ لِنِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَى الْكُلِّ شَرْعًا بِسَبَبِ مُعَاوَنَتِهِمْ، وَأَنَّ قُدْرَةَ الْقَاتِلِ وَالْآخِذِ إنَّمَا هِيَ بِهِمْ فَكَذَا هَذَا (فَإِنَّ السُّرَّاقَ يَعْتَادُونَ ذَلِكَ فَيَتَفَرَّغُ غَيْرُ الْحَامِلِ لِلدَّفْعِ) فَكَانَ مِثْلَهُ وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَتِمُّ الْوَجْهُ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (فَلَوْ امْتَنَعَ الْقَطْعُ أَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ) إنْ مُنِعَ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنَّمَا وَضَعَهَا فِي دُخُولِ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ لَكِنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي فِعْلِ السَّرِقَةِ لَا يُقْطَعُ إلَّا الدَّاخِلُ إنْ عُرِفَ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عُزِّرُوا كُلُّهُمْ وَأَبَّدَ حَبْسَهُمْ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ) وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَاكِمُ خِلَافًا (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُقْطَعُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْمَالِ مِنْ الْحِرْزِ هُوَ الْمَقْصُودُ وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَالدُّخُولُ فِيهِ لَمْ يُفْعَلْ قَطُّ إلَّا لَهُ فَكَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ الدُّخُولِ وَقَدْ وُجِدَ، فَاعْتِبَارُهُ شَرْطًا فِي الْقَطْعِ بَعْدَ الْمَقْصُودِ اعْتِبَارُ صُورَةٍ لَا أَثَرَ لَهَا غَيْرُ مَا حَصَلَ (وَصَارَ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ فَأَخْرَجَ الْغِطْرِيفِيَّ) أَوْ فِي الْجُوَالِقِ. وَالْغِطْرِيفِيُّ: دِرْهَمٌ مَنْسُوبٌ إلَى الْغِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامِ الرَّشِيدِ، وَكَانَتْ دَرَاهِمُهُ مِنْ أَعَزِّ النُّقُودِ بِبُخَارَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَنَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ) وَعَرَفْت أَنَّ هَذَا فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ مِنْهُمْ فَأَثْبَتَهُ بِقَوْلِهِ (تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ) أَيْ شُبْهَةِ عَدَمِ السَّرِقَةِ وَهِيَ مُسْقِطَةٌ، فَإِنَّ النَّاقِصَ يُشْبِهُ الْعَدَمَ، وَقَدْ يُمْنَعُ نُقْصَانُ هَذِهِ السَّرِقَةِ لِأَنَّهَا أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً مِنْ حِرْزٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَالدُّخُولُ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهَا، وَلَا شَرْطًا لِوُجُودِهَا إذْ قَدْ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِلَا دُخُولٍ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مَعَهُ، وَفِي كِلَا الصُّورَتَيْنِ مَعْنَى السَّرِقَةِ تَامٌّ لَا نَقْصَ فِيهِ، وَكَوْنُ الدُّخُولِ هُوَ الْمُعْتَادُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ شَيْءٍ مَا لَمْ يُبْصِرْهُ بِعَيْنِهِ مِنْ جَوَانِبِ الْبَيْتِ فَيَقْصِدُ إلَيْهِ. وَقَلَّمَا يُدْخِلُ الْإِنْسَانُ يَدَهُ مِنْ كُوَّةِ بَيْتٍ فَتَقَعُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّنْدُوقِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الصُّنْدُوقِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، بِخِلَافِ الْبَيْتِ (وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْبَعْضِ الْمَتَاعَ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ).
(قَوْلُهُ وَمَنْ طَرَّ) أَيْ شَقَّ (صُرَّةً) وَالصُّرَّةُ الْهِمْيَانُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصُّرَّةِ هُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute